الأحد، 20 فبراير 2011

كوم زبالة

إن عدم إعجابى بشىء ما لا يعنى إطلاقًا رداءة ذلك الشىء، فقد يبدو جميلا لكنه لا يعجبنى. والسبب هو عجز ذلك الشىء عن كونه دنياويًا، يحمل بين طياته الجمالية قطرات من القبح، ويحوى بين الضحكات إنكسارات من الحزن وتُعزف فيه سيمفونية اللذة والألم. 
وقد يعجب الكثيرون من إعجابى بأشياء يصفونها جهلا بالقذرة إلا أن تلك القذارة هى ثمنٌ لا بد من دفعه، حين تكون القيمة الجمالية للشىء أقيم من أن يكون هكذا مجرد جميل فعلى سبيل المثال يرى الناس فى أكوام الزبالة قمة القذارة، وأنا أرى أن ما القذارة إلا الثمن المقدم، يُدفع بديل عن الأموال، فما أن تدفعه، حتى يتراءى لك العالم الجمالى الذى غفلته لعدم قدرتك على تحمل الثمن، فإذا بصورة من الألوان العبثية المتداخلة المتناقضة الفوضوية، أى فنان يملك القدرة والحرفية على خلق تلك الفوضوى؟ وأى مصمم رقصات أو معارك قادر على إخراج حركات حشود الذباب بذلك النظام الفوضوى من كر وفر متفادية السقوط ضحية فى معركة بين كلب وقط أو قط وقط أو قط وفأر؟  وأين علماء الأجتماع والفلاسفة ليروا نموذج لطبقات المجتمع فهاهم السادة من الكلاب والقطط والفئران يتصارعون من أجل تقسيم التركة التى لم يكن لهم حق فيها من الأساس فإنما هى هبة من البشر، ورغم ذلك فهم يتصارعون، وتسقط ضحايا ليس لها ذنب من الحشرات المسكينة والبكتريا البريئة، وأين الأديب لينسج ملحمته، مجموعة من البكتريا بقيادة حشرة، تسببوا فى مصرع كلب، يجمع الأديب خيوط ملحمته يصعد بالحشرة إلى عنان السماء الحشرة تغنى يا أرض اتهدى ما عليك أدى، لكل متجبر نهاية لو كانت اكتفت بانتصارها على الكلب ورحلت لتعيش حياتها الطبيعية حشرة كما الحشرات لما لاقت ذلك المصير، فقد اشتدت رائحة الكلب الميت، فقرر أهل الحى حرق كوم الزبالة.. وانتهت الحشرة ..
وغيرها من الحكايات والصور متخبية فى كوم زبالة.
ومابين حكاية وحكاية ومابين صورة وصورة تتلم الدنيا فى كوم زبالة.





محمود يوسف 
20\2\2011
مستوحاة من تراكم أكوام الزبالة فى الفترة الماضية .. محاولة لتغير المفهوم الجمالى .. فالجمال فى العين التى ترى لا المنظر المرئى ..

الخميس، 17 فبراير 2011

الواحدة والربع بعد منتصف الليل


الواحدة والربع بعد منتصف الليل ثملت عقارب الساعة، ترنحت مترددة، أتمضى فى طريقها غير عابئة بذلك المجهول الذى ينتظرها أم تعود لعل بعودتها تنكشف لها صور من ذلك المجهول، لا أدرى حينها أمضت فى طريقها أم عادت.


صوت لم أتمكن من تحديد ملامحه داعب أذنى حينها، حاولت تحديد مصدره لم أتمكن فقد كان منبعث من جهتين أحدهما هى الجهة ذات الشرفة التى أستقبل  فيها القمر، وأجلس فى حفلات السمر الليلية مع النجوم وتتهمنى أمى بالجنون. منذ سنوات كنت أتحدث من خلالها إلى البحر وأودّع الشمس، كنت صغيرا أبكى لرحيلها، ظننتها تغرق فى ماء البحر وتنطفىء وأن الشمس التى تشرق فى اليوم التالى هى أختها قد ولدتها الأرض الأم، صغيرة، رقيقة، فى بدايتها، تحرقها الساعات فتحرقنا، رغم أشعتها اللاسعة التى تجبرنى على إغماض عينى، إلا إننى كنت أحمل من الإشفاق عليها ما ينسينى غضبى منها، فكلها ساعات وستغرق، كم هى مسكينة تلك الشموس تستسلم بهدوء لسحر البحر، لماذا لا تقاوم البحر؟ لماذا لم تتعلم السباحة مثلنا نحن البشر؟ سألت أمى عن البحر فقالت كلام يخيفنى أما أبى فلا يتكلم، تعلمت السباحة، لعله كان حلما أن أنقذ أحد الشموس يوما ما .. أعتبرتها هى هديتى للأرض الأم، فقد قالت أمى أن الله خلقنا من الأرض. والشمس تخرج من الأرض أى أن الشمس أختى .. قالت أمى لا..  الشمس لا تخرج من الأرض، لم أصدقها فقد كانت تخرج كل يوم أمام عينى من الأرض عند الجهة الأخرى لغرفتى .. لا أعرف لماذا تحولت أسطورة البحر إلى بئر يقبع بعيدا عند موضع الغروب يسكن فيه تنين ضخم يأكل الشموس .. كدت أكره تلك الشموس على غبائها لماذا لا تغير طريقها لماذا تستسلم لذلك التنين فيأكلها كل يوم ؟ أأقول للأرض أن تعلم بناتها ألا يذهبن عند التنين؟ فعلت قلت لها، زجرتنى أمى

-ماذا تفعل يا مجنون؟  الأرض لا تسمع ولا تتكلم

- أنت لم تكلميها يا أمى حتى ترد عليكِ، أما فتتحدثت إليها وأجابتنى .


فى فترة لا أستطيع تحديدها ولا أعرف كيف مضت إلا أننى لا أستطيع أن أقول إلا أنها الفترة الأقبح فى حياتى، تلك الفترة التى طُمست فيها كل الأساطير والخيالات وكأننى كنت فيها نائما فاستيقظت على إنتهاكٍ لم استطع حتى أن أرفضه، فقد أقام هاتكو عرض الطبيعة مبانٍ حالت بينى وبين البحر والشمس، حرمتنى حق البكاء لأجل الشمس المسلوبة، حرمتنى من متابعة لحظة إنبثاق الشموس من رحم الأرض، حرمتنى من حلمى بتحرير الشموس من سحر البحر، من حلمى بقتل ذلك التنين الشرير الذى يأكل الشموس.


خرجت إلى الشرفة لأرى مصدر الصوت، إلا أن خروجى إلى الشرفة يأجج فىّ حرارة تلك الذكريات، رأيت السماء تمطر، كان الصوت صوت قبلات حبات المطر لجدران البيت صوت إندماج السماء بالأرض، صوت التكامل.. إن الحديث عن سعادتى يستحيل التعبير عنه فلا أحد من قبل كانت ميتا ثم عادت إليه الروح، ولا حتى أنا إلا أن روحى ما هى إلا تلك الأحلام والأساطير والخيالات وها هى عادت إلى تحملها حبات المطر.دخلت  أرتدي معطفا ثقيل، ثم صففت شعرى وحملت كتابا وقلما وأوراق ومشغل الموسيقى وهاتفى الخلوى، ثم عدت أحتضن السماء من جديد ها هو المطر يتساقط عاريًا أمام المصابيح، كنت أظن أن السماء ماهى إلا بحرًا كبير وهى من أنجبت  البحر، وعندما تمطر، فإن السماء تشتاق إلى ابنها البحر، فتقرر النزول إليه، فتتساقط أجزاء من السماء على هيئة أمطار، ولولا أن الله منعها لأكملت إسقاط باقى أجزائها لتعانق  ابنها. جلست على مقعد خشبى أملت ظهره على جدار الشرفة وأرخيت عنقى إلى الخلف، أدرت مشغل الموسيقى على أغنية المفضلة  Need You Now  ل Lady Antebellum  ربما لأننى فعلا كنت ثملًا لكن لا بفعل الخمر إنما هى النشوة التى تملأ النفس فى حال السعادة المفرطة لكن الأحاسيس البشرية ليست بهذه البساطة حتى تتلخص فى إحساسٍ واحد فقد كان يملؤنى إحساسٌ بالوحدة، إحساس بالحاجة إلى تلك التى عوضتنى عن شموسى المسلوبة، خصوصا أن المطر يحمل لنا الكثير من الذكريات، أذكر لها أسطورتها بشأن البرق

- تعرف أن البرق مكنش بيعمى قبل كده ؟

- معرفش طول عمرهم  يقولوا لنا لا تبص فى السما وقت البرق لا تتعمى ..

- ههههههه تعرف أنى لازم أبص فى السما وقت البرق ..

- أنتِ مجنونة أوعى تعملى كده تانى ..

- هاعمل بس أنت عارف ليه الناس بيتعموا ؟؟

- ليه ؟

- لأن أجمل حاجة فى الدنيا ممكن تشوفها هى البرق .. بيبين عروق السما البيضا .. ويخلى السما تنزف مطر .. عشان كده اللى يشوفه مينفعش يشوف حاجة بعد كده ..

- طب متبوصيش للبرق تانى ..

- أفكر .

هذه هى روحها التى تعرف أن المغامرة إذا لم تغلفها المخاطر، فهى لا تعدو كونها لعبة..  فحياتها رغم أنها لا تمضى منها لحظة إلا بضحكة تهتز لها جدران أذنى، لا تعرف فيها إلا الجد، حتى فى قمة الهزل يكسو الجد ملامحه.


نغمات الأغنية تتصاعد إلى رأسى تتسرب إلى قلبى، ألم نكن - أنا وهى - نسمعها عند الواحدة والربع كل يوم ثم نتبعها بمكالمة نفجر فيها كل الأحلام والأمنيات ؟ كان شيئًا وانتهى، أما الآن فأنت أكبر من تلك الحماقات. عجيب أمر الإنسان ينشد الحرية، يكسر القيود الخارجية وفى داخله قيود لا تتكسر .. ألا يستطيع أن يحرر نفسه من عواطفه، وإن تحرر منها فهل نستطيع أن نطلق عليه لفظة  إنسان؟؟ حينها سيكون أله مجرد أله يطلق عليها مجازًا إنسان. لن أكون أله، لكن لن أرضخ لتلك العواطف. سأترك الأمر كله، وها هى الأغنية تنتهى.


إنها رنة هاتفى .. هى .. ماذا تريد ألم تقل الأيام كلمتها بشأن علاقتنا..

- آلو

- أزيك ؟

- فى حاجة ؟؟

- الدنيا بتمطر حبيت أكلمك بعد ما سمعت الأغنية .

- والمطلوب ؟

- ولا حاجة .. خلاص أنا سمعت صوتك . عايز حاجة ؟

- شكرا مع السلامة .


لا أعرف لماذا عاملتها بتلك القسوة، لكنها هى الأخرى تقسو علىّ، وأى قسوة تلك التى تخرج من صدرها مع رنة صوتها لتتسلل إلى قلبى عبر أذنى، فإذا به يضطرب ويشتعل شوقًا للأيام التى قضينها تحت المطر ووقت الغروب أمام البحر.

 تلقيت رسالة منها لا أعرف سببها أهى طعنة أخرى ترسلها إلى ..هى التى تعرف كيف تعذبنى ..

 "kissin' u softly " love u good night mahmoud N sweet dreams "  مسحتها فى الحال لا أريد ذكريات أخرى. هدأت الأمطار تدريجيا فسجلت قصتى تلك، ورحت أبحث عن ساعتى، مازالت العقارب ثملة عند الواحدة والربع أتمضى فى طريقها، أم تعود؟ لا أدرى سأشترى بطارية جديدة وأرى ..

الاثنين، 14 فبراير 2011

سخافة يدعونها حبًا


عجيب أمر هؤلاء الناس يحتفلون بيوم للحب، لن أتطرق لتاريخ هذا اليوم، فالأساطير متعددة وسخيفة ولا تعنى لنا شىء على الإطلاق، والرد العام عادة عليها يكون نحن لا نحتفل من أجل هذا إنما احتفالنا من أجل الحب.. وهنا تتبلور المأساة أن يصبح للحب يوما .. فاليوم أحبك أكثر وغدا ربما سأحبك أقل، اليوم سأعبر لك عن حبى وغدا لن يصبح ذلك مهمًا فقد أحتفلنا بالأمس .. يالها من طعنة يوجهها المحبون أو فلنقل مدعى الحب إلى الحب .. ذلك الإحساس الذى يحول الأيام كلها أعياد وتصبح الأصوات والكلمات حتى سخيفها ورديئها أغنيات و وتحال به الدنيا كلها إلى جنة، وقد يعتبر البعض أن ما يلاقوه من صعاب وعثرات فى الحب هو النار، وأقول لهم هل كان خلق الجنة يعنى شيئا إذا لم تُخلق النار؟ فاللذة والألم ظاهرهما متناقضان لكنهما متلازمان. بيدك أنت أن تجعل من الألم لذة وأن تبقى على اللذة حتى لا تحال إلى ألم ولن تقدر على ذلك بغير الحب. فالحب كالعصا السحرية تضرب هنا فيصير ألماظًا وذهبًا.وإن لم يكن حقيقيًا فيكفيك أنك تراه كذلك ولا شأن لك بنظرات من حولك. وقد تضرب هناك فتصير نارا تحرقك أنت ومن تحب وربما مع إضطرام النار ينطفىء الحب فيصير هشيما تذروه الرياح إلى صندوق الذكريات العتيق. هكذا الحب قد يصنع منك عنترا يصنع المعجزات أو قيسا مجنونًا يبكى على ليلاه. إن كنت حقا محبا فلست بحاجة لعيد عم فالنتين. فالحب لا أيام له الحب عمر لا يتجزأ، طريق بلا محطات إستراحة. فانطلق ما شاء الله لك.

الأمر الأخر المضحك المبكى هو اللون الأحمر لا أعرف علاقة الأحمر بالحب ربما لأن اللون الأحمر يعطى إحساسا بالدفء؟؟ ربما لأنه يدل على الإشتياق والإحتراق؟؟ وهل الحب ينحصر فى دفءٍ وإشتياق؟؟ هل الحب فقط دفءٌ واحتراق؟؟ إن كان كذلك فما ذلك الإحساس الذى يتملكنى حين أفترش الرمال وألتحف السماء وتمتزج الألوان ما بين الأزرق والأبيض والأصفر والأحمر وأرى وجه حبيبة لا أعرفها لكننى أحسها ويغمرنى حبها فى رائحة تحملها إلى نسمات البحر، فى دفء شعاع يداعب عينىّ، فى  برد رمال تلامس أطرافى، فى همسات الموج المتتابعة فى لحنها الأبدى. كل هذه الألوان والأصوات والحركات كيف تختزل فى لون واحد؟؟ لا أدرى إذا عن ماذا يعبرون بلونهم الأحمر أعن الحب؟ لا أظن.. إنها سخافة يدعونها حبًا. 



محمود يوسف 
14\2\2011

الأحد، 13 فبراير 2011

حيّا الله شارع النبى دنيال

حيّا الله شارع النبى دنيال
شارع الكاردو دي كومانوس شارع الوحدة الوطنية

من فترة لم أكن أعرف سر حبى الشديد لهذا الشارع كنت عادة أرجعه لعدة أسباب متجمعة منها أن الشارع يُعتبر مثالا للوحدة الوطنية على أرض مصر وأطلق عليه شارع الوحدة الوطنية نظرا لوجود مسجد النبى دنيال الذى يعتبر من أقدم مساجد مصر، والكنيسة المرقسية أقدم كنيسة في مصر وأفريقيا التي بناها القديس مرقس في القرن الأول الميلادي. ومعبد النبي دانيال اليهودى الذى يحتوي علي مكتبة تحوي نحو 50 نسخة قديمة من التوراة وكتب أخرى يعود تاريخ بعضها إلي القرن الخامس عشر، وهو أول معبد يهودى يقام في إفريقيا والمعبد الوحيد الذي بقي في مصر حتى الآن. وقبل الثورة كان المعبد من الأماكن المحظورة، وإن حاولت الإقتراب لمجرد معرفة تاريخ المعبد أو أى معلومة عنه لكن النتيجة كانت " أجرى يا حبيبى ألعب بعيد" وإن لم تكن هيئتى هيئة محترم لكانت العاقبة وخيمة، الإضرار بأمن مصر القومى وربما تهمة التعدى على طاقية السائح اليهودى السحرية. لكن أظن أن الأيام المقبلة سيكون الوضع مختلف.
الشارع يحمل مزيجا تاريخيا من الحكايات والأساطير، الأكثر منها تشبثا بذهنى هى تلك القصة التى حكاها لى جدى عن الفتاة التى ابتلعتها الأرض أثناء البحث عن مقبرة الإسكندر وكانت صبية جميلة كالبدر اختتفها المجهول من حبيبها، هكذا قال لكن شهادة جدى ليست مؤكدة فهى عادة نصفها سخرية، فقد سبق أن حكى لى عن ثورة المعيز الذين ثاروا على الفلاحين وخرجوا على شريط القطار وأكلوه. وكانت الحرب حامية بين المعيز والبشر تختفى المعيز فى النهار ويخرجوا فى الليل يأكلون من خيرات البلد. لكن رواية النبى دنيال التى حكاها لى جدى مختلفة وقد تأكدت من مصادر أخرى أن بالفعل كان هناك إعمال حفر واختفت فتاه ويقال أن مياه المجارى حملتها إلى البحر لذلك لم يعثروا عليها .. وروايات أخرى قالت بأن المنطقة ملبوسة عفاريت والعياذ بالله وروايات أخرى تقول إنها لعنة الفراعنة {لعنة الفراعنة إيه اللى جابها عند الإسكندر} بدى سؤالى لصاحب الرواية غبيًا وكانت إجابته مقنعة بعض الشىء " هو الإسكندر مش لما جه مصر ادولوا لقب ابن الإله أمون، أهو عمك أمون عملوا تعويذة عشان محدش يسرق مقبرته " وروايات عن مسجد النبى دنيال "أن جنود عمرو ابن العاص عند الفتح الإسلامى عثروا على مكان وعليه أقفال حديد محاط بحوض من الرخام الأخضر.وعند فتحه وجدوا هيكل لرجل ليس على هيئة أهل العصر، فأنفه طويل ويده طويلة وعليه أكفان مرصعة بالذهب، فأبلغوا عمر بن الخطاب بذلك فسأل علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فقال له: هذا نبي الله دانيال. فأمر عمر بتحصين قبره حتى لا يمسه اللصوص." ورواية أخرى تنفي السابقة وتقول أن الضريح الموجود بالمسجد على عمق حوالي خمسة أمتار هو للشيخ محمد دانيال الموصلي وهو رجل صالح جاء إلى الإسكندرية في نهاية القرن الثامن الهجري وقام بتدريس أصول الدين وعلم الفرائض على النهج الشافعي وظل بها حتى وفاته سنة 810 هـ ودفن بالمسجد، الذي يعود تاريخ بناؤه الى القرن الثاني عشر الهجري.
فى هذا الشارع مر ميشال تورنيه وبرنارد نويل وجمال الغيطاني ومحمد سلماوي وادوارد خراط وصنع الله ابراهيم وعلاء الأسواني والأهم نجيب محفوظ فى زياراته الصيفية للإسكندرية .
فى هذا الشارع رأيت ما يشبه برج بيزا المائل، العمارة الشهيرة التى انزلقت على غفلة ومالت وقد صدر قرار بغلق شارع النبى دنيال حتى يُنفذ قرار الإزالة وكنت أجد لذة عجيبة وأنا أقف أمام العمارة المائلة. وخرجت كثير من الروايات حول موضوع العمارة .

إن بدت كل هذه الأسباب وغيرها لا أجد الوقت لذكرهم تكفى لأن أتعلق بهذا الشارع العريق إلا أننى ما لهذا كتبت.

فاليوم واليوم فقط عرفت سبب عشقى لهذا الشارع. ولن يعرف قيمة هذا السبب إلا من جرب الكيف ويعرف حكمة أن الكيف بيذل، ولا أذاقك الله إدمان الكتب، ليست الكتب ككلمات أو كأفكار أو حتى حيوات. إنما الكتب كأرواح الكتب كأعمار وتواريخ الكتب كأجساد، لا أتخيل أن يوما يمر ولا أجد كتابا يحتضنى وأحتضنه، قد أبدوا مخبولا، لكن الكيف بيذل، لن يكفينى كتاب واحد، بل إن كتابا واحدا هو العذاب كله، والكتاب بلا تاريخ كالورقة البيضاء بلا ملامح لن أستمتع إلا ببياضها. لذلك وجدت فى شارع النبى دنيال ضالتى، وكأنه العين التى تفجرت لى فى صحراء الظمأ، لم أتوقف عن النهل من مائها، لكن الشربة الأخيرة كانت الأروع والأمتع فى جودتها وقيمتها، ولا تقول لى سور إزبكية ولا معرض كتاب ولا معرض بطيخ، بعد الصفقة الأخيرة فى شارع النبى دنيال ملاذ مدمنى الكتب وأصحاب الكيف لا أظننى فى يوم سأقف أمام المكتبات ذات البتريينات اللامعة أنظر إليها فى عرض شمة.
وكنوع من الدعايا لبائعى الكتب فى النبى الدنيال ورغبة منى فى ضرب سوق المكتبات ذات البترينات اللامعة وكنوع من الفخر بالإنجاز والتعبير عن سعادتى العارمة بصفقة اليوم.
الصفقة كانت مقابل 36 جنيه .. 36 جنيه لا تكفى ثمن رواية ثلاثية غرناطة لرضوى عاشور لكن الرواية كانت ضمن 18 كتاب وهم :
1 - ثلاثية غرناطة .. رضوى عاشور
2- الأرض .. عبد الرحمن الشرقاوى
3- إنى راحلة .. يوسف السباعى
4 - شخصية مصر .. جمال حمدان
5 - نجوم فى عز الظهر .. يوسف معاطى
6 - أوراق 1954 .. جميل عطية إبراهيم
7 - الشمعة والدهليز .. الطاهر وطار
8 - جسد أول .. نبيل نعوم
9 - شبح كانترفيل .. أوسكار ويلد ترجمة لويس عوض
10- قصة الزواج .. ليوتولستوى
11- النمل الأبيض .. عبد الوهاب الأسوانى
12 - أحاديث جدتى .. د.سهير القلماوى
13 - خمرية .. أمين العيوطى
14 - ساعة مغرب .. محمد البساطى
15 - كليوبترا ملكة مصرية أم عاهرة إغريقية .. مايكل جرانت

أما الكتب الثلاث الأكثر أهمية بالنسبة لى
1- مذابح الإخوان فى سجون ناصر .
وعلى الجانب الآخر :
2 - محكمة الشعب الجزء السادس يحتوى على جزء من محاكمة الشيخ الهضيبى. وبقية الأجزاء فى طريقها إلى.
وكتاب آخر يبدو نادرا
3 - الشاعر عبد الحميد الديب حياته وفنه للدكتور عبد الرحمن عثمان. وما يجعل كتاب كهذا نادرا من وجهة نظرى أن المعلومات المتوافرة على النت عن الشاعر عبد الحميد الديب فقيرة جدا ومعظمها وإن لم يكن جميعها من كتاب الأستاذ محمد رضوان بعنوان شاعر البؤس عبد الحميد الديب..
والكتب بحالة جيدة جدا باستثناء اثنين.
كل هذه الثروة ب 36 جنيه وبدون فصال. حيّا الله شارع النبى دنيال.




محمود يوسف
بتاريخ النهاردة

المراجع :
أنا وجدى والناس اللى فى الشارع .
مقال فى جريدة الشرق الأوسط بتاريخ الاحـد 18 محـرم 1428 هـ 4 فبراير 2007 العدد 10295 .
مقال الدستور 19 1 2010 عن قرار غلق شارع النبى دنيال .

الجمعة، 11 فبراير 2011

ضريبة الذل .. سيد قطب

مقال نُشر لسيد قطب منتصف يوليو 1952 ويناسب الأوضاع الحالية وهو نداء لكل متقاعس، لكل من آثر الذل على الكرامة. وظن أن الذل أرخص لكن ضريبة الذل أغلى، أغلى بكثير.

" بعض النفوس الضعيفة يخيل إليها أن للكرامة ضريبة باهظة، لا تطاق، فتختار الذل والمهانة هرباً من هذه التكاليف الثقال، فتعيش عيشة تافهة، رخيصة، مفزعة، قلقة، تخاف من ظلها، وتَفْرَقُ من صداها، "يحسبون كل صيحة عليهم" ، "ولتجدنهم أحرص الناس على حياة".
هؤلاء الأذلاء يؤدون ضريبة أفدح من تكاليف الكرامة، إنهم يؤدون ضريبة الذل كاملة، يؤدونها من نفوسهم، ويؤدونها من أقدارهم، ويؤدونها من سمعتهم، ويؤدونها من اطمئنانهم، وكثيراً ما يؤدونها من دمائهم وأموالهم وهم لا يشعرون.
وإنهم ليحسبون أنهم ينالون في مقابل الكرامة التي يبذلونها قربى ذوي الجاه والسلطان حين يؤدون إليهم ضريبة الذل وهم صاغرون، ولكن كم من تجربة انكشفت عن نبذ الأذلاء نبذ النواة، بأيدي سادتهم الذين عبدوهم من دون الله، كم من رجل باع رجولته، ومرغ خديه في الثرى تحت أقدام السادة، وخنع، وخضع، وضحى بكل مقومات الحياة الإنسانية، وبكل المقدسات التي عرفتها البشرية، وبكل الأمانات التي ناطها الله به، أو ناطها الناس … ثم في النهاية إذا هو رخيص رخيص، هَيِّنٌ هَيِّن، حتى على السادة الذين استخدموه كالكلب الذليل، السادة الذين لهث في إثرهم، ووَصْوَصَ بذنبه لهم، ومرغ نفسه في الوحل ليحوز منهم الرضاء!
كم من رجل كان يملك أن يكون شريفاً، وأن يكون كريماً، وأن يصون أمانة الله بين يديه، ويحافظ على كرامة الحق، وكرامة الإنسانية، وكان في موقفه هذا مرهوب الجانب، لا يملك له أحد شيئاً، حتى الذين لا يريدون له أن يرعى الأمانة، وأن يحرس الحق، وأن يستعز بالكرامة، فلما أن خان الأمانة التي بين يديه، وضعف عن تكاليف الكرامة، وتجرد من عزة الحق، هان على الذين كانوا يهابونه، وذل عند من كانوا يرهبون الحق الذي هو حارسه، ورخص عند من كانوا يحاولون شراءه، رخص حتى أعرضوا عن شرائه، ثم نُبِذَ كما تُنْبَذُ الجيفة، وركلته الأقدام، أقدام الذين كانوا يَعِدُونه ويمنونه يوم كان له من الحق جاه، ومن الكرامة هيبة، ومن الأمانة ملاذ.
كثير هم الذين يَهْوُونَ من القمة إلى السَّفْح، لا يرحمهم أحد، ولا يترحم عليهم أحد، ولا يسير في جنازتهم أحد، حتى السادة الذين في سبيلهم هَوَوْا من قمة الكرامة إلى سفوح الذل، ومن عزة الحق إلى مَهَاوي الضلال، ومع تكاثر العظات والتجارب فإننا ما نزال نشهد في كل يوم ضحية، ضحية تؤدي ضريبة الذل كاملة، ضحية تخون الله والناس، وتضحي بالأمانة وبالكرامة، ضحية تلهث في إثر السادة، وتلهث في إثر المطمع والمطمح، وتلهث وراء الوعود والسراب ….. ثم تَهْوِي وتَنْزَوِي هنالك في السفح خَانِعَةً مَهِينَة، ينظر إليها الناس في شماتة، وينظر إليها السادة في احتقار.
لقد شاهدتُ في عمري المحدود - ومازلت أشاهد - عشرات من الرجال الكبار يحنون الرؤوس لغير الواحد القهار، ويتقدمون خاشعين، يحملون ضرائب الذل، تثقل كواهلهم، وتحني هاماتهم، وتلوي أعناقهم، وتُنَكِّس رؤوسهم …. ثم يُطْرَدُون كالكلاب، بعد أن يضعوا أحمالهم، ويسلموا بضاعتهم، ويتجردوا من الحُسنَيَيْن في الدنيا والآخرة، ويَمضون بعد ذلك في قافلة الرقيق، لا يَحُسُّ بهم أحد حتى الجلاد.
لقد شاهدتهم وفي وسعهم أن يكونوا أحراراً، ولكنهم يختارون العبودية، وفي طاقتهم أن يكونوا أقوياء، ولكنهم يختارون التخاذل، وفي إمكانهم أن يكونوا مرهوبي الجانب، ولكنهم يختارون الجبن والمهانة …. شاهدتهم يهربون من العزة كي لا تكلفهم درهماً، وهم يؤدون للذل ديناراً أو قنطاراً، شاهدتهم يرتكبون كل كبيرة ليرضوا صاحب جاه أو سلطان، ويستظلوا بجاهه أو سلطانه، وهم يملكون أن يَرْهَبَهم ذوو الجاه والسلطان! لا ، بل شاهدت شعوباً بأَسْرِها تُشْفِقُ من تكاليف الحرية مرة، فتظل تؤدي ضرائب العبودية مرات، ضرائب لا تُقَاس إليها تكاليف الحرية، ولا تبلغ عُشْرَ مِعْشَارِها، وقديماً قالت اليهود لنبيها "يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها أبداً ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هنا قاعدون" فأَدَّتْ ثمن هذا النكول عن تكاليف العزة أربعين سنة تتيه في الصحراء، تأكلها الرمال، وتذلها الغربة، وتشردها المخاوف…. وما كانت لتؤدي معشار هذا كله ثمناً للعزة والنصر في عالم الرجال.
إنه لابد من ضريبة يؤديها الأفراد، وتؤديها الجماعات، وتؤديها الشعوب، فإما أن تؤدى هذه الضريبة للعزة والكرامة والحرية، وإما أن تؤدى للذلة والمهانة والعبودية، والتجارب كلها تنطق بهذه الحقيقة التي لا مفر منها، ولا فكاك.
فإلى الذين يَفْرَقُونَ من تكاليف الحرية، إلى الذين يخشون عاقبة الكرامة، إلى الذين يمرِّغُون خدودهم تحت مواطئ الأقدام، إلى الذين يخونون أماناتهم، ويخونون كراماتهم، ويخونون إنسانيتهم، ويخونون التضحيات العظيمة التي بذلتها أمتهم لتتحرر وتتخلص.
إلى هؤلاء جميعاً أوجه الدعوة أن ينظروا في عبر التاريخ، وفي عبر الواقع القريب، وأن يتدبروا الأمثلة المتكررة التي تشهد بأن ضريبة الذل أفدح من ضريبة الكرامة، وأن تكاليف الحرية أقل من تكاليف العبودية، وأن الذين يستعدون للموت توهب لهم الحياة، وأن الذين لا يخشون الفقر يرزقون الكفاية، وأن الذين لا يَرْهَبُون الجاه والسلطان يَرْهَبُهم الجاه والسلطان.
ولدينا أمثلة كثيرة وقريبة على الأذلاء الذين باعوا الضمائر، وخانوا الأمانات، وخذلوا الحق، وتمرغوا في التراب ثم ذهبوا غير مأسوف عليهم من أحد، ملعونين من الله، ملعونين من الناس،
وأمثلة كذلك ولو أنها قليلة على الذين يأبون أن يذلوا، ويأبون أن يخونوا، ويأبون أن يبيعوا رجولتهم، وقد عاش من عاش منهم كريماً، ومات من مات منهم كريما"

الثلاثاء، 8 فبراير 2011

أطياف .. رضوى عاشور

"إن التعود يلتهم الأشياء، يتكرر ما نراه فنستجيب له بشكل تلقائى كأننا لا نراه" . لم تُرِدْ رضوى عاشور أن يلتهم التعود سيرتها الذاتية، فتجنبت الطرق التقليدية فى عرض السيرة الذاتية،ومزجت سيرتها بطيف هو شخصية شجر الخيالية.. فصار كل منهما طيف للآخر. وفى حركتها المكوكية المتنقلة فى السرد بين الحاضر والماضى وإن استطاعت أن تملك على شعورى فى بعد الفقرات إلا إنها حرمتنى من الإندماج التام مع النص، كان أسلوب جديد -على الأقل بالنسبة لى- لكن ليس كل جديد جيدًا.
ومع قراءتى الأولى لعمل لرضوى عاشور وهى قراءتى الأولى أيضا فى الأدب النسوى بدى الأمر مختلفا تمام، فحين أقرأ رواية كالنبطى لزيدان وهى بأكملها تُروى على لسان بطلتها لا أشعر فيها على الإطلاق بأنها كلمات من أنثى إنما ربما عن أنثى أما فى قراءتى لأطياف فلامست امرأة حقيقية فى رقة النص رغم أنه تناولت أحداث مأساوية، فى مشاعر أمومة، فى عبارة يا "زفت " " نعم يا ماما" ،فى أريج من حياتها أحسست به أثناء القراءة، فى العطر الفنى المخيم على أسرتها التى رغم كل الأحداث العصيبة التى مرت بها لم تبخل علينا بالفن.هذا بالنسبة للقيم التعبيرية والشعورية.
أما القيم الموضوعية فهى كطريقة السرد مكوكية متنقلة بين نقاط من الضعف والقوة.
نقاط قوة :
1 - براعتها فى رصد صور من الواقع الإجتماعى كظاهرة الغش والسلبية فى هيئة التدريس .
2 - إحساسها بجيلنا وأن القهر ومسعى التحرر أكثر الأوتار رهافة فى وجدان هذا الجيل .
3 - ذكرها لبعض الفظائع التى ارتُكبت فى حق العرب مثل ما حدث فى قرية العزيزية والبدرشين ونزلة الشوبك فى 25 مارس 1919 من قِبل الإحتلال الإنجليزى ومذبحة صبرا وشاتيلا ودير ياسين من قِبل الإحتلال الإسرائيلى وبالنسبة لى قراءة موضوع كهذا فى الفترة الراهنة أقلقنى وأيقظنى فى نفس الوقت.

4- تجنبها للمشاهد الجنسية مما جعلنى أحترمها جدًا فى وقت صارت فيه تلك المشاهد سمة أساسية وكأنها قاعدة حتى إن لم يكن لها ضرورة وهى عادةً كذلك .

نقاط ضعف :

1 - النقطة الأكثر استفزازا لى والتى جعلتنى أضع كاتب كيوسف زيدان فى كتّاب القائمة السوداء والتى كررتها رضوى عاشور وهى الاقتباس أولا وثانيًا تحويل العمل الأدبى اللى المفترض أنه تعبير عن تجربة شعورية فى صورة موحية إلى حصة لغة عربية لشرح معانى الكلمات، ودراسة لسان العرب، المفترض أنى حين أقرأ عمل أدبى أعيش حياة أخرى أعيش إحساس الكاتب، وأنا لست ضد الإقتباس كمبدأ لكن ضده كطريقة، إذا أردت أن تقتبس فلتندمج أولا بالنص ثم بعد ذلك تُخرج لى المضمون بإحساسك، إنما أنا لو عايز أتعلم لغة عربية كان زمانى قرأت لسان العرب.


2- لا أدرى أهو استخفاف بعقلية القارىء أم عدم إدراك من الكاتبة لكن الكثيرين مع الأسف يرتكبون هذا الخطأ ويتكلمون على لسان الأطفال وقد تصل بهم السخافة لمناقشة قضايا فلسفية، هنا فعلتها رضوى فى شخصية كريم الطفل أربع سنوات وهى مرحلة ما قبل العمليات العقلية The mental Preoperational .. وعلى لسان كريم قال أنه مبيحبش الكلام و علل للسبب بأسلوب منطقى يتنافى مع المرحلة العمرية التى يرتكز فيها ما بين طور ما قبل المفاهيم والطور الحدسى وكان هناك تعليلات عديدة وعمليات منطقية لطفل فى الرابعة تبدو مستحيلة  وما كان من رضوى عاشور أنها جعلت شكل الكلمات طفولى إنما يستحيل أن تضعف التفكير ليصل إلى التفكير الطفولى فكان منها أن صارت الكلمات رغم صورتها الهشة قوية من الداخل. وبالرغم أن كريم قال أنه ما بيحبش الكلام الكتير إلا أن يبدو أن الدكتورة رضوى عاشور نسيت فكان لكريم أربعة من أكبر المقولات فى الكتاب.

3- هذه النقطة قد تعتبر تأكيدا لسابقتها و هى الهدية بالنسبة لكريم :
كريم قال أن الهدية ممكن تكون وردة أو لعبة أو قلم أو بوسة.

أولا : ماذا تعنى الوردة لطفل فى الرابعة من عمره ؟؟ لا أدرى لنعتبر أن كريم واد حبّيب من صغره .
ثانيا : ماذا يعنى القلم لطفل فى الرابعة من عمره ؟؟ لو كانت ألوان كانت ممكن تبقى مقبولة .
ثالثًا: البوسة لا أعتقد أن هناك أكثر من البوس يكره الطفل فى هذه المرحلة العمرية اللى بيتهرى فيها بوس بسبب خدوده الملظلظة ..

ده يوضح أن العبارة اللى قالتها رضوى عاشور على لسان كريم هى عبارتها، إنعكاس لشخصيتها ألزمتها للطفل الغلبان .. وده يوضح استحالة التعبير عن الإطفال لأن الإنسان لا يستطيع أن يتجرد من خبراته الحياتية ويفكر بعقلية الطفل .. والحل من رأيى:  إذا كنت مضطر أنى أضيف شخصية طفل إما أعبر عن شعورى تجاهه وأتجنب الحديث عن دخيلة نفسه وإما أكتفى بسرد أفعالهم فقط بشرط أنها تتناسب مع المرحلة العمرية التى يمرون بها.

والرواية ككل لم تضعنى أمام قضية كونية كبيرة إنما تناولت قضايا جانبية ولهذا كان لها ثلاث نجوم.


محمود يوسف 

الاثنين، 7 فبراير 2011

فاراداى

ساعتان من الملل الفيزيائى، أستاذ خنيق يطلع يرمى فى كلام بايخ نظرى، أمتى نخلص بقى، يطلع اللأستاذ يتكلم : 

ولادى ركزوا معايا، يمكن تتعلموا أنتم لسه صغيرين ولسه فى أمل فيكم أخدتم قبل كده أن الطاقة ممكن تحويلها من صورة لأخرى واخدتم أن مرور تيار كهربى فى سلك يكون مجال مغناطيسى، فهل ممكن من المجال المغناطيسى يتكون تيار كهربى ؟؟ 

سؤال عادى لكن فى مجتمعنا ملهوش أى معنى، الكهربا عندنا خطر مميت، كهربا يعنى جمجمة وعظمتان، كهربا يعنى نور، دا حتى لما الكهربا بتنقطع بنقول النور قطع. ولأن التفكير عيب عندنا الأستاذ مسمحش أن أحنا نقبّح فى وجوده وحرق السؤال بغير إكتراث للجريمة اللى ارتكبها فى حقنا وكمل كلامه وكأن شيئا لم يكن : 

عمك فاراداى كان قاعد فى المعمل بتاعه، جاب مغناطيس وملف سلك معزول مش لاصق فى بعضه، ووصله بجلفانومتر حساس الصفر بتاعه فى النصف، ومتقوليش جابه منين دا فارادى مش عم جمعه الكهربائى اللى عندكم . 

دلوقتى بس عرفت ليه عم جمعه كان مصمم أنه يبقى كهربائى،وأزاى نجح وبقى أكبر كهربائى فى شارعنا، وعرفت ليه اتخانق مع الزبون اللى قال له يا جماجيعو .. أصل عم جمعه كان ساقط انجليزى فى الثانوى الصناعى، وكان فاكر أن فاراداى يعنى جمعه بالإنجليزى، وده كان سبب إعتزازه باسمه، ف ازاى يقبل أنه يبقى جماجيعو أو فرفيروا بفرض أن فاراداى يعنى جمعه .. المهم كمل الأستاذ : 
ظبّط فاراداى العدة ومسك المغناطيس ودخله فى الملف وهو بيدخله هوب مؤشر الجلفانومتر لعب معاه، اتهبل عمك فاراداى قعد يدخل المغناطيس ويطلعه ويضحك، والجلفانومتر يلعب أكتر ويضحك، يقلب المغناطيس ويضحك، المؤشر يلعب على الجنبين ويطّوح زى المساطيل ويضحك، هوووووووب وفاراداى ميت على نفسه من الضحك يجى أبوه ويديله 100 قفا على سهوه .. 
- بتعمل أيه يا ابن العبيطة ؟! 
- بس متقولش عبيطة . 
عمك فاراداى بعد ما قفاه ورم قالك بس ياعم كفاية ضحك نشوف أكل عيشنا ، أديها حركة تديك كهربا، فى حركة فى تيار، ما فى حركة ؟؟ ما فى تيار .

معجبنيش كلام الأستاذ مع انه ضحكنى، ومسكت فى ودان الواد اللى جمبى
- تعرف أن من غير فاراداى اللى الأستاذ بيتكلم عليه كده مكناش هنقعد هنا أنا وأنت نسمع كلام الراجل الخرمان ده ؟؟ تعرف أن فاراداى ده الملكة فيكتوريا زارته فى معمله .. هى اللى راحت له بنفسها مش طلبته يجيلها .. تعرف أن الفوايد العلمية وإكتشافات فاراداى عددها أكبر من عدد السنين اللى عاشها الأستاذ ده ؟؟ فى حوار سألته الملكة عن فايدة اكتشافاته الغريبة قالها " ما فائدة طفل رضيع يا سيدتى ؟؟" وكان قصده أن يوم من الأيام الناس هتعرف قيمة الحاجات ديه .. تعرف أن فاراداى ده علم نفسه بنفسه مش أحنا اللى بنموت فى الدرس مع أننا بناخد دروس خصوصية ؟
تعرف أن عبث فاراداى المعملى وبعده شخبطة ماكسويل الرياضية اللى لقاها شكلها مش متظبط فحط حد إضافى سماه تيار الإزاحة على سبيل الإفتراض والكلام ده كله اللى دفع إينشتين أن يكتشف النسبية الخاصة .. وبعدها يجى ب 100 سنة تتقلب الدنيا، ثورة تغير ملامح الأرض أعمال فاراداى وماكسويل كان الدناميت اللى فجر الثورة ديه، كان سبب أن الكهربا تستخدم فى النور وكان سبب فى إختراع التليفون والراديو والتلفزيون و القطارات والأجهزة الطبية والكمبيوتر يعنى كمان فاراداى كان سبب فى الثورة اللى فى مصر دلوقتى .. 

يبصلى الأستاذ بعد ما كلامى لفت انتباه كام واحد من اللى جامبى بدأت أكل منه الجو، شغلانة تكسب دهب دا بيلهف مش أقل من 20 ألف جنيه فى الشهر من دمنا .. 
- يا أيها الحيوان اسكت .
واضح أن الأستاذ لسه معرفنيش، بيغلط لكن أنا عارف أتعامل مع الأشكال ديه أزاى ، أكتر مايغيظ الأستاذ وأى شخص أن يحس أنه ولا حاجه أنه ملهوش أى تأثير، وأنا مع ابتسامة باردة مستفزة بتفرد على الكرسى واستجم كأنى على البحر غير عابئ بوجوده، شايف الشر بيطأ من عنيه، كمل الشرح 
مقلناش اسم التجربة ، سألته قالى تجربة فاراداى ،ابتسمت نفس الإبتسامة الباردة المستفزة، عبيط ده ولا أيه ما فارداى عنده تجارب كتير. كلمت اللى جمبى عن تجربة فارادى اللى اخدناها فى الكميا السنة اللى فاتت وكلامى كان مبرر كويس أنه ينتقم منى .. 
- قوم يالا ... اطلع بره . 
بنفس الابتسامة الباردة المستفزة كان رد فعلى وأنا بلم كتبى بالتصوير البطيء وكان فى عين الأستاذ رغبة متوحشة فى رزعى 100 قفا على سهة زى اللى أخدهم فاراداى .. ممنعهوش إلا الطريق الوعر المكدس بالطلاب المغفلين و ع الباب حبيت أحيّه هو و فرافيروا بتاعه : 
ابقى سلملى على فاراداى ابن العبيطة . 
وأعدت أضحك واضحك . نفس الضحكة اللى ضحكها فاراداى 
- هع هع هع هع هع .. 
- تراااااااك تراااك تراااك ترااك ............. بالظبط 100 وعلى سهوة ...