الواحدة والربع بعد منتصف الليل ثملت عقارب الساعة، ترنحت مترددة، أتمضى فى طريقها غير عابئة بذلك المجهول الذى ينتظرها أم تعود لعل بعودتها تنكشف لها صور من ذلك المجهول، لا أدرى حينها أمضت فى طريقها أم عادت.
صوت لم أتمكن من تحديد ملامحه داعب أذنى حينها، حاولت تحديد مصدره لم أتمكن فقد كان منبعث من جهتين أحدهما هى الجهة ذات الشرفة التى أستقبل فيها القمر، وأجلس فى حفلات السمر الليلية مع النجوم وتتهمنى أمى بالجنون. منذ سنوات كنت أتحدث من خلالها إلى البحر وأودّع الشمس، كنت صغيرا أبكى لرحيلها، ظننتها تغرق فى ماء البحر وتنطفىء وأن الشمس التى تشرق فى اليوم التالى هى أختها قد ولدتها الأرض الأم، صغيرة، رقيقة، فى بدايتها، تحرقها الساعات فتحرقنا، رغم أشعتها اللاسعة التى تجبرنى على إغماض عينى، إلا إننى كنت أحمل من الإشفاق عليها ما ينسينى غضبى منها، فكلها ساعات وستغرق، كم هى مسكينة تلك الشموس تستسلم بهدوء لسحر البحر، لماذا لا تقاوم البحر؟ لماذا لم تتعلم السباحة مثلنا نحن البشر؟ سألت أمى عن البحر فقالت كلام يخيفنى أما أبى فلا يتكلم، تعلمت السباحة، لعله كان حلما أن أنقذ أحد الشموس يوما ما .. أعتبرتها هى هديتى للأرض الأم، فقد قالت أمى أن الله خلقنا من الأرض. والشمس تخرج من الأرض أى أن الشمس أختى .. قالت أمى لا.. الشمس لا تخرج من الأرض، لم أصدقها فقد كانت تخرج كل يوم أمام عينى من الأرض عند الجهة الأخرى لغرفتى .. لا أعرف لماذا تحولت أسطورة البحر إلى بئر يقبع بعيدا عند موضع الغروب يسكن فيه تنين ضخم يأكل الشموس .. كدت أكره تلك الشموس على غبائها لماذا لا تغير طريقها لماذا تستسلم لذلك التنين فيأكلها كل يوم ؟ أأقول للأرض أن تعلم بناتها ألا يذهبن عند التنين؟ فعلت قلت لها، زجرتنى أمى
-ماذا تفعل يا مجنون؟ الأرض لا تسمع ولا تتكلم
- أنت لم تكلميها يا أمى حتى ترد عليكِ، أما فتتحدثت إليها وأجابتنى .
فى فترة لا أستطيع تحديدها ولا أعرف كيف مضت إلا أننى لا أستطيع أن أقول إلا أنها الفترة الأقبح فى حياتى، تلك الفترة التى طُمست فيها كل الأساطير والخيالات وكأننى كنت فيها نائما فاستيقظت على إنتهاكٍ لم استطع حتى أن أرفضه، فقد أقام هاتكو عرض الطبيعة مبانٍ حالت بينى وبين البحر والشمس، حرمتنى حق البكاء لأجل الشمس المسلوبة، حرمتنى من متابعة لحظة إنبثاق الشموس من رحم الأرض، حرمتنى من حلمى بتحرير الشموس من سحر البحر، من حلمى بقتل ذلك التنين الشرير الذى يأكل الشموس.
خرجت إلى الشرفة لأرى مصدر الصوت، إلا أن خروجى إلى الشرفة يأجج فىّ حرارة تلك الذكريات، رأيت السماء تمطر، كان الصوت صوت قبلات حبات المطر لجدران البيت صوت إندماج السماء بالأرض، صوت التكامل.. إن الحديث عن سعادتى يستحيل التعبير عنه فلا أحد من قبل كانت ميتا ثم عادت إليه الروح، ولا حتى أنا إلا أن روحى ما هى إلا تلك الأحلام والأساطير والخيالات وها هى عادت إلى تحملها حبات المطر.دخلت أرتدي معطفا ثقيل، ثم صففت شعرى وحملت كتابا وقلما وأوراق ومشغل الموسيقى وهاتفى الخلوى، ثم عدت أحتضن السماء من جديد ها هو المطر يتساقط عاريًا أمام المصابيح، كنت أظن أن السماء ماهى إلا بحرًا كبير وهى من أنجبت البحر، وعندما تمطر، فإن السماء تشتاق إلى ابنها البحر، فتقرر النزول إليه، فتتساقط أجزاء من السماء على هيئة أمطار، ولولا أن الله منعها لأكملت إسقاط باقى أجزائها لتعانق ابنها. جلست على مقعد خشبى أملت ظهره على جدار الشرفة وأرخيت عنقى إلى الخلف، أدرت مشغل الموسيقى على أغنية المفضلة Need You Now ل Lady Antebellum ربما لأننى فعلا كنت ثملًا لكن لا بفعل الخمر إنما هى النشوة التى تملأ النفس فى حال السعادة المفرطة لكن الأحاسيس البشرية ليست بهذه البساطة حتى تتلخص فى إحساسٍ واحد فقد كان يملؤنى إحساسٌ بالوحدة، إحساس بالحاجة إلى تلك التى عوضتنى عن شموسى المسلوبة، خصوصا أن المطر يحمل لنا الكثير من الذكريات، أذكر لها أسطورتها بشأن البرق
- تعرف أن البرق مكنش بيعمى قبل كده ؟
- معرفش طول عمرهم يقولوا لنا لا تبص فى السما وقت البرق لا تتعمى ..
- ههههههه تعرف أنى لازم أبص فى السما وقت البرق ..
- أنتِ مجنونة أوعى تعملى كده تانى ..
- هاعمل بس أنت عارف ليه الناس بيتعموا ؟؟
- ليه ؟
- لأن أجمل حاجة فى الدنيا ممكن تشوفها هى البرق .. بيبين عروق السما البيضا .. ويخلى السما تنزف مطر .. عشان كده اللى يشوفه مينفعش يشوف حاجة بعد كده ..
- طب متبوصيش للبرق تانى ..
- أفكر .
هذه هى روحها التى تعرف أن المغامرة إذا لم تغلفها المخاطر، فهى لا تعدو كونها لعبة.. فحياتها رغم أنها لا تمضى منها لحظة إلا بضحكة تهتز لها جدران أذنى، لا تعرف فيها إلا الجد، حتى فى قمة الهزل يكسو الجد ملامحه.
نغمات الأغنية تتصاعد إلى رأسى تتسرب إلى قلبى، ألم نكن - أنا وهى - نسمعها عند الواحدة والربع كل يوم ثم نتبعها بمكالمة نفجر فيها كل الأحلام والأمنيات ؟ كان شيئًا وانتهى، أما الآن فأنت أكبر من تلك الحماقات. عجيب أمر الإنسان ينشد الحرية، يكسر القيود الخارجية وفى داخله قيود لا تتكسر .. ألا يستطيع أن يحرر نفسه من عواطفه، وإن تحرر منها فهل نستطيع أن نطلق عليه لفظة إنسان؟؟ حينها سيكون أله مجرد أله يطلق عليها مجازًا إنسان. لن أكون أله، لكن لن أرضخ لتلك العواطف. سأترك الأمر كله، وها هى الأغنية تنتهى.
إنها رنة هاتفى .. هى .. ماذا تريد ألم تقل الأيام كلمتها بشأن علاقتنا..
- آلو
- أزيك ؟
- فى حاجة ؟؟
- الدنيا بتمطر حبيت أكلمك بعد ما سمعت الأغنية .
- والمطلوب ؟
- ولا حاجة .. خلاص أنا سمعت صوتك . عايز حاجة ؟
- شكرا مع السلامة .
لا أعرف لماذا عاملتها بتلك القسوة، لكنها هى الأخرى تقسو علىّ، وأى قسوة تلك التى تخرج من صدرها مع رنة صوتها لتتسلل إلى قلبى عبر أذنى، فإذا به يضطرب ويشتعل شوقًا للأيام التى قضينها تحت المطر ووقت الغروب أمام البحر.
تلقيت رسالة منها لا أعرف سببها أهى طعنة أخرى ترسلها إلى ..هى التى تعرف كيف تعذبنى ..
"kissin' u softly " love u good night mahmoud N sweet dreams " مسحتها فى الحال لا أريد ذكريات أخرى. هدأت الأمطار تدريجيا فسجلت قصتى تلك، ورحت أبحث عن ساعتى، مازالت العقارب ثملة عند الواحدة والربع أتمضى فى طريقها، أم تعود؟ لا أدرى سأشترى بطارية جديدة وأرى ..
صوت لم أتمكن من تحديد ملامحه داعب أذنى حينها، حاولت تحديد مصدره لم أتمكن فقد كان منبعث من جهتين أحدهما هى الجهة ذات الشرفة التى أستقبل فيها القمر، وأجلس فى حفلات السمر الليلية مع النجوم وتتهمنى أمى بالجنون. منذ سنوات كنت أتحدث من خلالها إلى البحر وأودّع الشمس، كنت صغيرا أبكى لرحيلها، ظننتها تغرق فى ماء البحر وتنطفىء وأن الشمس التى تشرق فى اليوم التالى هى أختها قد ولدتها الأرض الأم، صغيرة، رقيقة، فى بدايتها، تحرقها الساعات فتحرقنا، رغم أشعتها اللاسعة التى تجبرنى على إغماض عينى، إلا إننى كنت أحمل من الإشفاق عليها ما ينسينى غضبى منها، فكلها ساعات وستغرق، كم هى مسكينة تلك الشموس تستسلم بهدوء لسحر البحر، لماذا لا تقاوم البحر؟ لماذا لم تتعلم السباحة مثلنا نحن البشر؟ سألت أمى عن البحر فقالت كلام يخيفنى أما أبى فلا يتكلم، تعلمت السباحة، لعله كان حلما أن أنقذ أحد الشموس يوما ما .. أعتبرتها هى هديتى للأرض الأم، فقد قالت أمى أن الله خلقنا من الأرض. والشمس تخرج من الأرض أى أن الشمس أختى .. قالت أمى لا.. الشمس لا تخرج من الأرض، لم أصدقها فقد كانت تخرج كل يوم أمام عينى من الأرض عند الجهة الأخرى لغرفتى .. لا أعرف لماذا تحولت أسطورة البحر إلى بئر يقبع بعيدا عند موضع الغروب يسكن فيه تنين ضخم يأكل الشموس .. كدت أكره تلك الشموس على غبائها لماذا لا تغير طريقها لماذا تستسلم لذلك التنين فيأكلها كل يوم ؟ أأقول للأرض أن تعلم بناتها ألا يذهبن عند التنين؟ فعلت قلت لها، زجرتنى أمى
-ماذا تفعل يا مجنون؟ الأرض لا تسمع ولا تتكلم
- أنت لم تكلميها يا أمى حتى ترد عليكِ، أما فتتحدثت إليها وأجابتنى .
فى فترة لا أستطيع تحديدها ولا أعرف كيف مضت إلا أننى لا أستطيع أن أقول إلا أنها الفترة الأقبح فى حياتى، تلك الفترة التى طُمست فيها كل الأساطير والخيالات وكأننى كنت فيها نائما فاستيقظت على إنتهاكٍ لم استطع حتى أن أرفضه، فقد أقام هاتكو عرض الطبيعة مبانٍ حالت بينى وبين البحر والشمس، حرمتنى حق البكاء لأجل الشمس المسلوبة، حرمتنى من متابعة لحظة إنبثاق الشموس من رحم الأرض، حرمتنى من حلمى بتحرير الشموس من سحر البحر، من حلمى بقتل ذلك التنين الشرير الذى يأكل الشموس.
خرجت إلى الشرفة لأرى مصدر الصوت، إلا أن خروجى إلى الشرفة يأجج فىّ حرارة تلك الذكريات، رأيت السماء تمطر، كان الصوت صوت قبلات حبات المطر لجدران البيت صوت إندماج السماء بالأرض، صوت التكامل.. إن الحديث عن سعادتى يستحيل التعبير عنه فلا أحد من قبل كانت ميتا ثم عادت إليه الروح، ولا حتى أنا إلا أن روحى ما هى إلا تلك الأحلام والأساطير والخيالات وها هى عادت إلى تحملها حبات المطر.دخلت أرتدي معطفا ثقيل، ثم صففت شعرى وحملت كتابا وقلما وأوراق ومشغل الموسيقى وهاتفى الخلوى، ثم عدت أحتضن السماء من جديد ها هو المطر يتساقط عاريًا أمام المصابيح، كنت أظن أن السماء ماهى إلا بحرًا كبير وهى من أنجبت البحر، وعندما تمطر، فإن السماء تشتاق إلى ابنها البحر، فتقرر النزول إليه، فتتساقط أجزاء من السماء على هيئة أمطار، ولولا أن الله منعها لأكملت إسقاط باقى أجزائها لتعانق ابنها. جلست على مقعد خشبى أملت ظهره على جدار الشرفة وأرخيت عنقى إلى الخلف، أدرت مشغل الموسيقى على أغنية المفضلة Need You Now ل Lady Antebellum ربما لأننى فعلا كنت ثملًا لكن لا بفعل الخمر إنما هى النشوة التى تملأ النفس فى حال السعادة المفرطة لكن الأحاسيس البشرية ليست بهذه البساطة حتى تتلخص فى إحساسٍ واحد فقد كان يملؤنى إحساسٌ بالوحدة، إحساس بالحاجة إلى تلك التى عوضتنى عن شموسى المسلوبة، خصوصا أن المطر يحمل لنا الكثير من الذكريات، أذكر لها أسطورتها بشأن البرق
- تعرف أن البرق مكنش بيعمى قبل كده ؟
- معرفش طول عمرهم يقولوا لنا لا تبص فى السما وقت البرق لا تتعمى ..
- ههههههه تعرف أنى لازم أبص فى السما وقت البرق ..
- أنتِ مجنونة أوعى تعملى كده تانى ..
- هاعمل بس أنت عارف ليه الناس بيتعموا ؟؟
- ليه ؟
- لأن أجمل حاجة فى الدنيا ممكن تشوفها هى البرق .. بيبين عروق السما البيضا .. ويخلى السما تنزف مطر .. عشان كده اللى يشوفه مينفعش يشوف حاجة بعد كده ..
- طب متبوصيش للبرق تانى ..
- أفكر .
هذه هى روحها التى تعرف أن المغامرة إذا لم تغلفها المخاطر، فهى لا تعدو كونها لعبة.. فحياتها رغم أنها لا تمضى منها لحظة إلا بضحكة تهتز لها جدران أذنى، لا تعرف فيها إلا الجد، حتى فى قمة الهزل يكسو الجد ملامحه.
نغمات الأغنية تتصاعد إلى رأسى تتسرب إلى قلبى، ألم نكن - أنا وهى - نسمعها عند الواحدة والربع كل يوم ثم نتبعها بمكالمة نفجر فيها كل الأحلام والأمنيات ؟ كان شيئًا وانتهى، أما الآن فأنت أكبر من تلك الحماقات. عجيب أمر الإنسان ينشد الحرية، يكسر القيود الخارجية وفى داخله قيود لا تتكسر .. ألا يستطيع أن يحرر نفسه من عواطفه، وإن تحرر منها فهل نستطيع أن نطلق عليه لفظة إنسان؟؟ حينها سيكون أله مجرد أله يطلق عليها مجازًا إنسان. لن أكون أله، لكن لن أرضخ لتلك العواطف. سأترك الأمر كله، وها هى الأغنية تنتهى.
إنها رنة هاتفى .. هى .. ماذا تريد ألم تقل الأيام كلمتها بشأن علاقتنا..
- آلو
- أزيك ؟
- فى حاجة ؟؟
- الدنيا بتمطر حبيت أكلمك بعد ما سمعت الأغنية .
- والمطلوب ؟
- ولا حاجة .. خلاص أنا سمعت صوتك . عايز حاجة ؟
- شكرا مع السلامة .
لا أعرف لماذا عاملتها بتلك القسوة، لكنها هى الأخرى تقسو علىّ، وأى قسوة تلك التى تخرج من صدرها مع رنة صوتها لتتسلل إلى قلبى عبر أذنى، فإذا به يضطرب ويشتعل شوقًا للأيام التى قضينها تحت المطر ووقت الغروب أمام البحر.
تلقيت رسالة منها لا أعرف سببها أهى طعنة أخرى ترسلها إلى ..هى التى تعرف كيف تعذبنى ..
"kissin' u softly " love u good night mahmoud N sweet dreams " مسحتها فى الحال لا أريد ذكريات أخرى. هدأت الأمطار تدريجيا فسجلت قصتى تلك، ورحت أبحث عن ساعتى، مازالت العقارب ثملة عند الواحدة والربع أتمضى فى طريقها، أم تعود؟ لا أدرى سأشترى بطارية جديدة وأرى ..