الأحد، 2 يناير 2011

عاشق طيف

خلف الستار الذهبى لنافذتها المستطيلة بدى ظلها معتما كالليل حارقا كلهب الشمس ، تداعبه أشعة عاشقة متدفقة من مصباح ساهر .. هى .. أعرفها بكل تفاصيلها .. جسدها السيمفونى البديع بحركاته الثلاثة بلغته الإيطالية الموسيقية حركته الأولى   
allegro cn brio
 تمتزج بشعرها الماجن المتلون بلون الظلام كالموج آنا غادر وآنا حنون، وتنصب فى عينيها الداعرتين البراقتين حتى فى الظلام ..
والثانية
andante maestoso
تستريح فوق كتفيها تتساقط فوق صدرها حيث يكمن الدفء،
لتأتى الخاتمة
allegro molto vivace
لتتدفق مع خصرها نحو نهر النار .

ومع معزوفتها الأسطورية حملنى عقلى إلى ذكريات غرفتها إلى الجدران التى شهدت عزفى المنفرد على أوتارها .. كنت المايسترو المتحكم فى الأوركسترا بأكمله .. كنت الريح التى تحمل أمواجها من نهرها النارى إلى شعرها الغادر الحنون ، كنت ذلك التدفق الذى يحمل النار من مكمنها ليلقيها فى صدرها .. لم يكن فى غرفتها مصباح كنت أغمرها بأشعة من العشق تتدفق إلى أنسجتها الشفافة لتمتزج بروحها العصية فتصير رقيقة كقطرات الماء فى حر الصيف ..

كنت غائبا منذ زمن بعيد فى مكان لا أحسبه فى الدنيا كان موتا مؤقتا أو كبوسا لعينا خطفنى من طيفها . أتصلت بجار لها كنت أعرفه ذهبت لمقابلته عند بيتها فلاح لى ظلها خلف الستار .. أنطلقت الحياة فى جسدى كما تنتلق الكهرباء فى مصباحها فيغمرها بأشعته .. أحتاج لأن اغمرها بأشعتى .. إن فاجأتها قد تسرها رؤيتى هكذا علمنى أوفيد .. لكن  صديقى هو من فاجأنى حين ربت على كتفى  .. وبعد وابل من الحديث عديم المعنى عن الحال والأحوال سألته عنها ..
- هى عاملة أيه ؟
- هى مين ؟
- هتكون مين يعنى !
- آآآه .. أنت متعرفش ؟!
- لأ معرفش .. أتخطبت ؟! أتجوزت ؟!
- دى سافرت فاجأة من كام شهر هى وعائلتها  ومحدش يعرف هى فين .
- أمال مين ... ونظرت لنافذتها فإذا هى مظلمة معتمة كالليل حارقة كلهب الشمس ..
 

محمود يوسف
29\12\2010

عيناها

رغم روعتهما وتناسقهما البديع مع وجهها الملائكى - مؤقتا -  فلم يكونا أجمل ما تملك ؛ فقد كانت تحظى بالإمكانيات أياها التى تتمنها كل امرأة ويحلم بها جميع الرجال .. تلك الإمكانيات التى رشحتها لأن تملأ عينى الفارغة ، ورغم إمكاتياتها السمينة الثمينة لم يستغرق الأمر منى سوى بضع ليال حتى حظيت بها فى قائمة فتياتى المفضلات ولأن تلك القائمة لا تحوى إلا ذوى الإمكانيات العالية ، فكان لا بد لها من إمكانية رهيبة تحتل بها موضعا مميزا فى القائمة .. وكانت إمكانيتها الرهيبة هى أعز ما تملك - أعرف فيما يفكر أصحاب النفوس البذيئة لكن لم يكن هذا أعز ما تملك - لقد كانت عيناها هى  أعز ما تملك .. نجمتان أهديتهما من السماء .. لم أتمكن من تحديد لونهما أول مرة رأيتها لانشغالى بفحص كفاءة الإمكانيات .. لكن بعد أن سئمت إمكانياتها لا إنقاصا من شأنهم لا سمح الله ؛ فقد كانت من الإمكانيات الأعلى كفاءة التى قابلتها فى حياتى لكنى أملّ سريعا من التكرار ، وكانت تعلم ذلك جيدا، وربما حاولتْ إحداث بعض التغيرات الطفيفة فى إمكانياتها لكن لأسباب تتعلق بالكفاءة على المدى البعيد آثرت التحكم فى إمكاتيتها المميزة التى لا يؤثر التحكم فيها على كفاءتها بمرور الوقت ، ساعدها فى ذلك ذكاؤها وجيب أبيها صاحب سلسة المطاعم التى لم أتمكن من نطق أسمها حتى الآن ولا حتى من فك شفرتها وفهم معناها .
منذ اللحظة الأولى التى بدأت ألاحظ فيها عينيها وحتى الواقعة الهباب لم أتمكن من تحديد لون عينيها .. فيومًا سوداء ويومًا عسلية وأحيانًا زرقاء وأحيانًا خضراء وفى بعد الأحيان تتلون بعدة ألوان فى يوم واحد .. ولم أكن ألاحظ أن تغير لون العين له علاقة بدخول التواليت فكنت أظن أن دخول التواليت له علة أخرى خصوصا أنها كانت تحمل حقيبتها الكبيرة نسبيا لحمل الأغراض أياها ..
وجاء يوم الواقعة المشئومة حين قررت التحقق من لون عينيها .. وأعددت العدة أستعدادا للزيارة المفاجئة لبيتها .. وكانت الزيارة الأولى ونظرا لأن اسم مطاعم الوالد وشهرتها جعلتنى أتخيله رجلا ذا مبادئ غربية والحياة EASY  يا عزيزى ومفيش مانع ،تشجعت على خوض المغامرة .
وعلى الباب
- HI YA 3MO
- أهلا يا  حبيبى بتدور على حاجة .
-FAIN SHERRY YA 3MO
وقبل أن يرد ظهرت شيرى والذهول يحرقها و أقتربت منها و لأنى أحترف فن القُبل إلى درجة جعلتنى أُقبّل وعيناى مغمضتان .. قبّلت وعيناى مغمضتان .. وظلا مغمضتين .. ليس بإرادتى إنما بسبب قدرة الفول التى لبستها فوق رأسى .. ومن حينها لم أر عينيها ثانية لأسباب كثيرة أهمها أنى لم أعد أرى إلا بعين واحدة و طشاش وحتى إن كنت أرى بالاثنين فما الفائدة بعد أن فقدت إمكانيتى المميزة الحساسة ؟
وسمعت بعدها أن أباها طسها بطاسة الفلافل أصابها بالحول وعمى الألوان ومن حينها لم تعرف للعدسات لون .. والمعلم أبوها باع سلسلة المطاعم الأفرنجى ورجع لأصله وأكتفى بمطاعم الذهب المصرى -الفول والفلافل

بداياتى مع النزف ج2 .. أفروديت ( قصة قصيرة )

ما أسوء أن يكذب عليك إنسان ! وما أفظع أن يكذب عليك عالمك الذى تعيش فيه .. عالمك الذى تدركه بحواسك .. عالمك الذى ارتبط بعواطفك وأفكارك .. ماذا يحدث لو وجدته وقد اكتسى بلون قاتم غير محدد .. لون يجعل الأشياء غريبة .. ليس هذا عالمى الذى أعرفه .. أنا خائف .. لا أعرف كيف أصف حالتى .. كل شىء يبدو مزيفًا غير حقيقى .. الناس الأماكن الكلمات المعانى الأفكار المشاعر ..

أصحو من النوم .. هذا بيتى أذكره، ولكنى غريب عنه .. أنظر إلى صديقى أندهش من هذا الإنسان ؟ صديقى ! ماذا يعنى صديقى ؟ حب وعشرة ! هذا الشخص بينى وبينه حب ؟! هذا الشخص أعرفه ؟ عيناى تؤكدان هذا وذاكرتى تسعفنى بكل لحظات العمر معه .. لكن كيف ؟ هذا غير حقيقى .. يبدو غريبًا عنى .. يجلس أمامى لكنه بعيد جدا تفصلنى عنه بلاد .. ما هذا الود الذى يحدثنى به ؟ كلامه يثبت أن بيننا صلة ولكنى أندهش لكلامه .. كل شىء أصبح غامضًا غريبًا غير حقيقى .

الآن أدرك كيف تمضى سنين العمر بلا معنى ، أن أعيش غريبا ، أن أحرم من الأقتراب والتواصل ، أن أعيش شتاء دائمًا يحيط به الزمهرير .. زمهرير الفكر والوجدان .. أبحث عن الدفء فأسقط فى كومة من الثليج .. أفقد معانى الحياة واحدا تلو الآخر .. أفقد الحب والألفة والسعادة .. كيف أحب وكل من حولى غرباء ، كيف تكون الألفة وأنا لا أعرف أحدا ، كيف أكون سعيدا فى هذه الوحدة .. ما أبأس الإنسان وحيدا .. ما أشد حاجته لتعاطف الناس .. إنها الألفة حتى مع الجماد التى تحقق للإنسان معنى لوجوده .. لابد أن أذهب لطبيب نفسى أنا أتألم .. أشعر وكأن بركانا من النار ينفجر فى رأسى رغم البرد الذى يتملكنى .. خائف أرتعد .. لا شىء يثبت أنى حى .. هذا يعنى أنى ميت ..

***********************************

حالتك يطلق عليها "إختلال الواقع" .. واقعنا يا صديقى لا ندركه كما تظن بحواسنا .. عالمنا ندركه بقلوبنا بمشاعرنا .. العاطفة التى تنشأ بيننا وبين كل ما يحيط بنا من بشر ونبات وحيوان وجماد .. يتشكل الواقع فى مخنا من خلال الحواس ، بعد ذلك ينتهى دورها ونصبح مشدودين لهذا الواقع بوجداننا .. حبال متينة تربطنا بالواقع .. نتحرك ونجرى ونطير مادامت هذه الحبال موصولة ، فإذا تقطعت أحسسنا بالضياع .. غربة تشعل الخوف .. ما أسوأه من إحساس .. كلمات بلا معنى ، لمسات بلا إحساس ، طعام بلا مذاق ، لا رائحة سوى رائحة الأغتراب .
لا يوجد علاج ثابت لكل حالات "إختلال الواقع" يختلف العلاج باختلاف السبب .. فافتح لى قلبك حتى تستريح .. تكلم ..
- هل كنت مصابا بالصرع ؟
- لا .
- الإكتئاب ؟
- لا أعتقد .
- لماذا ؟
- كنت أضحك دائما .. وأرى الحياة جميلة .
-هل تعرضت لإجهاد جسدى شديد ؟
-لا .
-ضغوط نفسية ؟ مفاجآت قاسية ؟
- لا أعرف .
-تشعر بالفشل ؟
-نعم .
-تعرف لماذا ؟
-لا أظن .
- عملك ؟
- طالب .
- تقيمك الدراسى ؟
- ترتيبى الثانى هذا العام .
- هل رحل شخص عزيز عليك ؟
- نعم .
- من ؟
-حبيبتى .
-كيف رحلت .
- لا أدرى .
- تحدث عنها .
*******************************************
أحببتها فى الليل .. الليل يعنى ظلام .. الظلام وحدة .. لم أشعر بالوحدة .. كانت تكسر الظلام . كانت قمرا ؟ لا أظن، كان ضوءها هى ، لم تكن تعكس ضوء الشمس .. كانت نجمة ؟ لا أظن، كانت جميلة ولكنها لم تكن بعيدة ، كانت تكمن بداخلى و كنت أكمن بداخلها .

أحببتها فى النهار .. النهار يعنى ضجيجا .. الضجيج ضياع رغم ضوء الشمس .. لم أضع ، وجدت طريقى ، لم أسمع سوى همساتها من بين الضجيج .. كانت قيثارة عزفت على أوتارها ، كان صوتها يهدم الأسوار يحطم القيود .. يتعب فيستريح فى قلبى .. عزفنا سيمفونية الحب ، ظننا أنها أبدية .

اضطربت يدى ، أختلت النغمات . لا يوجد صراخ فى سيمفونيتنا .. قسوت فى العزف على القيثارة كانت تصرخ ، ظننت أنها نغمات العشق ، لم أشعر إلا بعد أن مزقت أوتارها بيدى ، لم تعد قيثارتى تغنى .. حتى بكاؤها صار أبكما .. وأنا .. أنا من مزق الأوتار .. كنت أعزف ولا أحب أن يسمعها غيرى .. رحلت عن جوقتى ولم يكن لى فيها غيرها .. صرت وحيدا .. كانت الصدمة قوية لم أتخيل حياتى بدون القيثارة .. الحياة بدون موسيقى تعنى الموت .. كنت أحلم بالموت على نغماتها .. لم أتوقع أن الموت سيأتى فى صمت كما هو الآن ..

- إذا كنت تتعذب هكذا فلمَ مزقت أوتارها ؟

- طغى عليها الجمال .. كان لونها كلون الثلج .. إذا النهار كان وكانت هى فلا معنى لوجود الشمس .. وإن كان الليل وكانت هى فلا فائدة من القمر و النجوم . عين سوداء حارقة وشعر أسود كموج البحر .. أتذكر أننى غرقت فيه يوما فمدت إلي يدها ، تمنيت حينها أن أظل غريقا .. جسد ملائكى خُلق لها وحدها ، أعرفه جيدا . من بين نساء العالم كان الدفء يرتاح معها .. كانت أفروديت إله الحب والجمال ولم أكن بالنسبة لها أكثر من إله للكلمة .. أمنحها كلمات ، أحبت كلماتى ، لا شىء سوى كلمات .. تجاهلت قبلاتى سخرت منها .. أول مرة قبّلتها كنت مضطربًا ، غَضَبتْ ، أحاطت روحها بأسوار وأماتتنى ليومين ، لم يولد بعد من يسرق من أفروديت قبلة لم تعطيها هى له . أفروديت من ملكت آلهة اليونان .. من عذبت زيوس فزوجها لهيفاستوس .. يأتى مثلى من لا يملك سوى كلمات و يسرق منها قبلة .. ربما ما غضبت لو لم أضطرب ولكن كيف لا أضطرب ؟ يكفى مواجهة النيران فى عينيها .. تكفى حرارة الاقتراب .. سمعت أن أرس إله الحرب كان يحبها وهى كانت تحبه .. أمتزجا .. اشتعل الحب بينهما فكان إروس إله الحب الصغير .. كنت أتعذب حين أسمع هذه الحكاية .. لهذا قسوت على القيثارة .

- هل تظن أنها ستعود ؟

- تعود ؟! لم تلتئم جراح أوتارها حتى تعود ..

- هل حاولت أن تعيدها ؟

- لم أتوقف عن المحاولة ، حتى بعد أن اختل عقلى وفقدت العالم من حولى مازلت أحاول .

قبل أنا آتى إليك كنت تحت شرفتها .. أتأمل الأسوار التى تحول بيننا .. لا أتخيل أن بيننا أمتار قليلة ولا أستطيع الوصول إليها .. أتذكر أيام كانت تفصل بينى وبينها بلاد .. ولكنها كانت تسكن داخلى .. مهما كانت المسافة فأرواحنا متصلة .. أما الآن ....

قالت لى لم أعد أحبك .. ولن احبك .. لا تحاول إرجاعى لن أعود .. أبتعد عنى حتى لا أكرهك .

ومن هنا بدأت أفقد الحياة تدريجيًا ..

سكت الطبيب وغرق فى فكر عميق .. أنتظرُ مندهشا كيف تكلمت ؟ ومن هذا الذى تكلمت معه ؟ ما علاقته بى ؟

- لا بد أن تتفاعل مع الناس لتنسى .

- أنسى ؟

- نعم تنسى وتحب من جديد .

- وأحب من جديد ! جيد .. وهل عندك دواء مُنسى أو مزيل للحب القديم ؟ أريد أن أزيلها من روحى وجسدى .. أريد أن أزيلها من الكتب دون أن تفقد الكتب المعنى الذي أعطته هى لها . أريد أن أزيلها من أحلامى من فراشى من الليل من النهار .. أريد أن أزيلها من البحر من الرمل من السماء من النجوم من القمر .

- جيد .. تحب القراءة ؟

- نعم .

-تمانع فى الإنضمام إلى حلقات قراءة جماعية ؟

- لا أمانع .

- موعدنا غدا .. سأنتظرك .. تأخذ هذا الدواء وتستريح إلى أن أراك غدا .

- إن شاء الله .
*****************************

تمتزج الحقيقة بالخيال .. نغرق باليقظة فى بحر من الأحلام .. تغيب التفاصيل لكنها لا تمحى الذكريات .. نظل محبوسين فى سجن الماضى .. تعذبنا أسواط من الأحداث المريرة .. يمتليء عقلنا بالهواجس .

أهرع من مكان لمكان ، أدقق النظر أرهف السمع .. قال الطبيب تحتاج إلى يد تشعر بدفئها .. يد توصل لك الإحساس بالحياة .. أشعر بعطش الأرض الجدباء للمطر .. أفتقد الإحساس بالألفة .. أحس و كأن كل شىء ينكرنى ..
ذهبت لحلقة القراءة التى أعدها الطبيب ، بدى أسلوب الطبيب فى العلاج غبيا ، حاولت أن أبعد عن ذهنى فكرة أن هذه الحلقة مرحلة من مراحل العلاج .

بدى وكأنه يعرض علي أن أختار من المُنضمّين للحلقة شخصا يعيد لى الإحساس بالحياة .. هذا يصلح كأب ، هذه تصلح كأم ، وهذا كأخ ، وهذا كابن .. لا أظن أن هذا ما أحتاجه .. هناك فتاه ربما أراد الطبيب أن يهديها لى ولكنه أختار أن يضعها فى المجموعة حتى لا تكون هدية صريحة وأرفضها .. ربما تكون مريضة ربما استأجرها ربما تحتاج إلى الحب كلها أحتمالات لكنها تؤدى إلى طريق واحد .. طبيب غبى مازال مقتنعا أنى سأنسى أفروديت ..

بدأت حلقة القراءة ، كانت قراءة شعرية .. الشعر هو لسان الموسيقى .. الموسيقى حياة .. فقدت الإحساس بالموسيقى كما فقدت الإحساس بالحياة بعد أن مزقت أوتار القيثارة ، لن يفيد الشعر .. وكيف يحل التراب محل النجوم ؟!

قرأت الفتاة ، انسابت الكلمات من بين شفتيها كما تنساب المياه فى الجداول .. عيناها فيهما دفء لكنه ليس بحرارة الدفء الكامن فى أحداق أفروديت .. فى عينيْ أفروديت كانت تسكن الشمس .
استمرت الفتاة فى القراءة ، كلمات الحب تخرج كاستغاثات ، نظراتها تأكل وجهى .. لا أشعر بشىء .. لكننى أعرف .. أعرف جيدا .. هى جميلة .. ستكون يوما ما كارمن .. ستكون ملدريد .. سأكتشف خيانتها كما اكتشف همام خيانة سارة .. وربما أنا من يعد لها خطة خيانتها كما فعل سالم عبيد مع زينب .. لكننى لن أسمح لها أن تطعنى .. سأقتلها ..

أقتلها ؟! القتل هو الطريق الوحيدة التى أصل بها إلى الحقيقة .. لا بد أن أرى الموت أمام عينى حتى أمتلك إحساس الحياة .. إن رأيتها ميتة فسأشعر أننى حي ..

لكن ما ذنبها حتى أقتلها ؟ جميلة ؟ أكان الجمال ذنبا ؟ لمَ لا أقتل أفروديت ؟ أفروديت إله ربما إن حاولت قتلها سحرتنى أو مسختنى زهرة ذابلة تطؤها الأقدام أو حولتنى قيثارة كى تمزق أوتارى .. أفروديت لن تموت .. ستحيا فى عيون كل الجميلات .. أفروديت هى الخيانة تجرى فى دماء كل النساء .. لا بد أن أقتل هذه الفتاة قبل أن تخوننى وتنتصر أفروديت ..
********************************************************
موتها يعنى الحياة بالنسبة لى .. لكن كيف وأين سأولد من جديد ؟

السكين سيشبع رغبتى .. سأشعر بالسعادة عندما أقترب من الموت وأتحسسه بيدى .. سأغرس السكين فى قلبها .. سر الحياة يكمن فى القلب ؛ سأنتزعه وأنتقم .. سأدعوها لتأتى معى إلى البحر .. فى البحر كل شىء يتعرى .. السماء المياه الرمال حتى الأشخاص يتحولون إلى نفوس عارية .. لن ترفض أعرفها من عينها تحب الحياة . الحياة تجارب لن تضيع فرصة تحيا فيها .

أنتظرتها وعدتنى بالمجىء ، كل شىء معرى لا غطاء سوى البرد .. جاءت .. جميلة لا مراء، كالشهد المصفى، ذراعاها عاريان، لا تحب القيود لولا عيون الرجال السارقة لما أحاطت جمالها بهذه الأسوار ..لم تكن تلك الأسوار لتعزل عنى شيئا من جمالها ، فأنا أعرف كل تفاصيلها .

تقدمت ، أقتربت منى ، حيّتنى بقبلة .. نكهة قبلتها طغت على نكهة أفروديت .. أهو الشوق إلى التقبيل ما جعلنى أشعر بهذا ؟ كيف لقبلة أن تطغى على قبلة أفروديت ؟ أفروديت هى من علمتهم فن الحب و القبل .

لن انخدع بهذه القبلة الكاذبة .. سأخرج السكين وأقتلها .. لن أضعف .

أخفيت السكين وراء ظهرى .. أحاطت عنقى بذراعيها ، تلاحمت الشفاه ، يتلاشى البرد من حرارة الأقتراب ، يرتفع صوت الأمواج ، يبتلع البحر قرص الشمس ، يسقط السكين ويغرق فى الرمال .. أصبحنا شخصا واحدا .. رغبة واحدة .. جنونا واحدا .. لم تعد قبلاتها تكذب .. لم أعد غريبا بعد لحظة الصدق الأعظم ، أعرفها الآن جيدا أشعر بها ، هى حبيبتى الجديدة ، لم تعد غريبة ، السماء والقمر والنجوم والبحر والبيت وصديقى أعرفهم جميعا ليسوا غرباء .. أنا حى .. لكن ما هذه الدماء التى تغطى الرمال ؟ أين السكين ؟ أفروديت ؟! نعم أفروديت قتلتها أنا وحبيبتى .. قتلتها بعد أن تخلصت من قيودها بعد أن عادت لى الحياة .. قتلتها وانتقمت لموتى ولزيوس ولهيفاستوس .. رحلت أفروديت بلا رجعة ورحل الموت إلى لقاء قريب .

تمت

بداياتى مع النزف ج1 ... الغمامة والريح (قصة قصيرة)

رَأَتْ غَمَامَةٌ ذَاتَ يَوْمٍ طَائِرًا ،امْتَطَى الرًّيحَ ، وأَخَذَ يغردُ ، وكأنَّه مَلَكَ الدُّنيا بينَ جَنَاحَيْهِ ، أَعْجَبَتْ الغَمَامَةَ حُريّةُ الطَّائِرِ وسَعَادتُه ، وتَمنّت أن تحظى بجَنَاحَين لتنطلقَ فى السَّمَاءِ مثله .

لمْ يكنْ هُناك -فى السَّمَاءِ- من يهتمُ بالغَمَامةِ سوى الرِّيح ، وقد لاحَظَ افتتانَها بالطّائرِ ، فاقتَرَبَ مِنها ليُقدمَ عَرْضَه ويستصحبها وقال:
- ومَنْ يجعلُكِ تسبقينه ؟!
الْتَفَتَت الغَمَامة إلى مصدرِ الصوتِ فوَجَدَت الرِّيحَ وقدْ كَاد أن يتخلّلَها . كانت تعلمُ رغبةً الريحِ فى اصطحابِها فالْتَفَتَتْ عنه لتبدىَ عدم اهتمامِها بالعَرْضِ وقالت :
- سيظل معى دائمًا .. ولن أهرب منه أبدًا .
- فلنبدأ رحلتنا .

حَمَلَ الرِّيحُ الغَمَامَةَ بعدَ أن شكَّلَها على هيئةِ الطيرِ وانطَلَقَ بها بينَ الطيورِ والغَمَامَات صديقاتِها وأحسَت الحُريّةَ التى لطالما كانت تنشدُها . وتغيرَ الريحُ فلمْ يعُدْ مثلما كان عنيفًا يكرهُ الطيرَ ويجلدُه بأسواطِه .

وذاتَ ليلةٍ تحدثا سويًا عن النجومِ وكانتْ تظنُ الغَمَامَةُ أن كلَ مَاْ عَلا أو لَمَعَ نَجمٌ ، فصَعَدَ الرِّيحُ بالغَمَامَةِ قاصدًا نجمًا وقَالَ:
- ليس كلُ مَاْ عَلا أو لَمَعَ نجمًا ؛ فقد يعلو الغُبَارُ وقد تلمعُ المياهُ فى البرَكِ .

وأمسَكَ بها ووضَعَها فى مواجهةِ ضوءِ النجمِ وأَخَذَ يتأملُها كما يتأملُ الأبُ ابنتَه فى ليلةِ زفافِها، ففَقَدَ النجمُ لمعانَه وقَالَ الرِّيحُ وهو يبتسمُ ابتسامةَ انتصارٍ:
- ما استَحقَ أن يكونَ نجمًا الذى يفقدُ لمعانَه بينَ الغمامِ .
واستَمرَ الرِّيحُ فى رحلتِه صعودًا ، فاستوقفته الغَمَامَةُ لتسألَه :
- إلى أينْ تأخذُنى ؟
- إلى مَاْ فوقَ النجومِ . أريدُك أن تعلى فوقَهم لتُريهم كيفَ تكونُ النجومُ .
- لا أريدُ الصعودَ فوقَ النجومِ .. فالطيرُ لا يعلو فوقَها وهو -معَ ذلك- يحجبُ لمعانَ النجومِ ويسودُ السماءَ بجَنَاحيه .

- لا تجعلى الطيرَ أقصى طموحك .تستطيعين أن تعلى فوقَه .
- لا أريدُ أن أعلوَ أكثرَ.. توقفْ!
لم يستجبْ الريحُ واستمرُ فى الصعودِ ،ولم تشهدْ السَّمَاءُ هيئةً مثل التى كانت عليها الغَمَامَة ؛فقد كانتْ كصقرٍ عظيمٍ دَفَعَ الأرضَ بجَنَاحيه فدَفَعَته، ولا شيءَ قادرٌ على إيقافِه .
لم يعجبُ الغَمَامَة مَاْ كَانَ من الرِّيحِ وأحستْ أنّهُ سَلَبَها حُريّتَها وأنها لم تعُدْ حرة . فلمْ تفكرْ واتّخذتْ قرار التحرُرِ من قيودِ الريحِ ، تلكَ القيودُ التىْ يومًا قد مَنَحَتها حُريّتها، تِلْك القُيُودُ التىْ أرَادتْ أن ترفعَها إلى مَاْ فوقَ النُجُومِ.

هَرَبَتْ الغَمَامَةُ من الرّيحِ، وبمُجرّدِ أن خَرَجَتْ من كيانِه فَقَدَت هيئةَ الطيرِ التىْ ميّزتها وجلبت إليها الأنظارَ، وصارتْ شكلاً لا معنى له.

سَقَطَت مقتربةً من الأرضِ ومَاْ أبشعَها منطقةً قد سَقَطَت بها، فتجمّعت حولَها رياحُ المنطقةِ جميعًا، ولمْ ليسلبوا منها حُريّتَها فقطْ بلْ سُلِبَتْ معها ذَاتُها، ولمْ يستطعْ ريحُها أن يُخلّصَها من أيديهم، ومَاْ هى إلا دَقائِقُ حتّى انْتَهَتْ الغَمَامَةُ، ولَمْ يَتَبَقَ منها إلا غُبَارٌ عَلا وقطراتُ مَاءٍ لَمَعَتْ فى بِركَةٍ كاللذَيْن كَانَتْ تظنُهما نُجُومًا .