الأحد، 13 فبراير 2011

حيّا الله شارع النبى دنيال

حيّا الله شارع النبى دنيال
شارع الكاردو دي كومانوس شارع الوحدة الوطنية

من فترة لم أكن أعرف سر حبى الشديد لهذا الشارع كنت عادة أرجعه لعدة أسباب متجمعة منها أن الشارع يُعتبر مثالا للوحدة الوطنية على أرض مصر وأطلق عليه شارع الوحدة الوطنية نظرا لوجود مسجد النبى دنيال الذى يعتبر من أقدم مساجد مصر، والكنيسة المرقسية أقدم كنيسة في مصر وأفريقيا التي بناها القديس مرقس في القرن الأول الميلادي. ومعبد النبي دانيال اليهودى الذى يحتوي علي مكتبة تحوي نحو 50 نسخة قديمة من التوراة وكتب أخرى يعود تاريخ بعضها إلي القرن الخامس عشر، وهو أول معبد يهودى يقام في إفريقيا والمعبد الوحيد الذي بقي في مصر حتى الآن. وقبل الثورة كان المعبد من الأماكن المحظورة، وإن حاولت الإقتراب لمجرد معرفة تاريخ المعبد أو أى معلومة عنه لكن النتيجة كانت " أجرى يا حبيبى ألعب بعيد" وإن لم تكن هيئتى هيئة محترم لكانت العاقبة وخيمة، الإضرار بأمن مصر القومى وربما تهمة التعدى على طاقية السائح اليهودى السحرية. لكن أظن أن الأيام المقبلة سيكون الوضع مختلف.
الشارع يحمل مزيجا تاريخيا من الحكايات والأساطير، الأكثر منها تشبثا بذهنى هى تلك القصة التى حكاها لى جدى عن الفتاة التى ابتلعتها الأرض أثناء البحث عن مقبرة الإسكندر وكانت صبية جميلة كالبدر اختتفها المجهول من حبيبها، هكذا قال لكن شهادة جدى ليست مؤكدة فهى عادة نصفها سخرية، فقد سبق أن حكى لى عن ثورة المعيز الذين ثاروا على الفلاحين وخرجوا على شريط القطار وأكلوه. وكانت الحرب حامية بين المعيز والبشر تختفى المعيز فى النهار ويخرجوا فى الليل يأكلون من خيرات البلد. لكن رواية النبى دنيال التى حكاها لى جدى مختلفة وقد تأكدت من مصادر أخرى أن بالفعل كان هناك إعمال حفر واختفت فتاه ويقال أن مياه المجارى حملتها إلى البحر لذلك لم يعثروا عليها .. وروايات أخرى قالت بأن المنطقة ملبوسة عفاريت والعياذ بالله وروايات أخرى تقول إنها لعنة الفراعنة {لعنة الفراعنة إيه اللى جابها عند الإسكندر} بدى سؤالى لصاحب الرواية غبيًا وكانت إجابته مقنعة بعض الشىء " هو الإسكندر مش لما جه مصر ادولوا لقب ابن الإله أمون، أهو عمك أمون عملوا تعويذة عشان محدش يسرق مقبرته " وروايات عن مسجد النبى دنيال "أن جنود عمرو ابن العاص عند الفتح الإسلامى عثروا على مكان وعليه أقفال حديد محاط بحوض من الرخام الأخضر.وعند فتحه وجدوا هيكل لرجل ليس على هيئة أهل العصر، فأنفه طويل ويده طويلة وعليه أكفان مرصعة بالذهب، فأبلغوا عمر بن الخطاب بذلك فسأل علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فقال له: هذا نبي الله دانيال. فأمر عمر بتحصين قبره حتى لا يمسه اللصوص." ورواية أخرى تنفي السابقة وتقول أن الضريح الموجود بالمسجد على عمق حوالي خمسة أمتار هو للشيخ محمد دانيال الموصلي وهو رجل صالح جاء إلى الإسكندرية في نهاية القرن الثامن الهجري وقام بتدريس أصول الدين وعلم الفرائض على النهج الشافعي وظل بها حتى وفاته سنة 810 هـ ودفن بالمسجد، الذي يعود تاريخ بناؤه الى القرن الثاني عشر الهجري.
فى هذا الشارع مر ميشال تورنيه وبرنارد نويل وجمال الغيطاني ومحمد سلماوي وادوارد خراط وصنع الله ابراهيم وعلاء الأسواني والأهم نجيب محفوظ فى زياراته الصيفية للإسكندرية .
فى هذا الشارع رأيت ما يشبه برج بيزا المائل، العمارة الشهيرة التى انزلقت على غفلة ومالت وقد صدر قرار بغلق شارع النبى دنيال حتى يُنفذ قرار الإزالة وكنت أجد لذة عجيبة وأنا أقف أمام العمارة المائلة. وخرجت كثير من الروايات حول موضوع العمارة .

إن بدت كل هذه الأسباب وغيرها لا أجد الوقت لذكرهم تكفى لأن أتعلق بهذا الشارع العريق إلا أننى ما لهذا كتبت.

فاليوم واليوم فقط عرفت سبب عشقى لهذا الشارع. ولن يعرف قيمة هذا السبب إلا من جرب الكيف ويعرف حكمة أن الكيف بيذل، ولا أذاقك الله إدمان الكتب، ليست الكتب ككلمات أو كأفكار أو حتى حيوات. إنما الكتب كأرواح الكتب كأعمار وتواريخ الكتب كأجساد، لا أتخيل أن يوما يمر ولا أجد كتابا يحتضنى وأحتضنه، قد أبدوا مخبولا، لكن الكيف بيذل، لن يكفينى كتاب واحد، بل إن كتابا واحدا هو العذاب كله، والكتاب بلا تاريخ كالورقة البيضاء بلا ملامح لن أستمتع إلا ببياضها. لذلك وجدت فى شارع النبى دنيال ضالتى، وكأنه العين التى تفجرت لى فى صحراء الظمأ، لم أتوقف عن النهل من مائها، لكن الشربة الأخيرة كانت الأروع والأمتع فى جودتها وقيمتها، ولا تقول لى سور إزبكية ولا معرض كتاب ولا معرض بطيخ، بعد الصفقة الأخيرة فى شارع النبى دنيال ملاذ مدمنى الكتب وأصحاب الكيف لا أظننى فى يوم سأقف أمام المكتبات ذات البتريينات اللامعة أنظر إليها فى عرض شمة.
وكنوع من الدعايا لبائعى الكتب فى النبى الدنيال ورغبة منى فى ضرب سوق المكتبات ذات البترينات اللامعة وكنوع من الفخر بالإنجاز والتعبير عن سعادتى العارمة بصفقة اليوم.
الصفقة كانت مقابل 36 جنيه .. 36 جنيه لا تكفى ثمن رواية ثلاثية غرناطة لرضوى عاشور لكن الرواية كانت ضمن 18 كتاب وهم :
1 - ثلاثية غرناطة .. رضوى عاشور
2- الأرض .. عبد الرحمن الشرقاوى
3- إنى راحلة .. يوسف السباعى
4 - شخصية مصر .. جمال حمدان
5 - نجوم فى عز الظهر .. يوسف معاطى
6 - أوراق 1954 .. جميل عطية إبراهيم
7 - الشمعة والدهليز .. الطاهر وطار
8 - جسد أول .. نبيل نعوم
9 - شبح كانترفيل .. أوسكار ويلد ترجمة لويس عوض
10- قصة الزواج .. ليوتولستوى
11- النمل الأبيض .. عبد الوهاب الأسوانى
12 - أحاديث جدتى .. د.سهير القلماوى
13 - خمرية .. أمين العيوطى
14 - ساعة مغرب .. محمد البساطى
15 - كليوبترا ملكة مصرية أم عاهرة إغريقية .. مايكل جرانت

أما الكتب الثلاث الأكثر أهمية بالنسبة لى
1- مذابح الإخوان فى سجون ناصر .
وعلى الجانب الآخر :
2 - محكمة الشعب الجزء السادس يحتوى على جزء من محاكمة الشيخ الهضيبى. وبقية الأجزاء فى طريقها إلى.
وكتاب آخر يبدو نادرا
3 - الشاعر عبد الحميد الديب حياته وفنه للدكتور عبد الرحمن عثمان. وما يجعل كتاب كهذا نادرا من وجهة نظرى أن المعلومات المتوافرة على النت عن الشاعر عبد الحميد الديب فقيرة جدا ومعظمها وإن لم يكن جميعها من كتاب الأستاذ محمد رضوان بعنوان شاعر البؤس عبد الحميد الديب..
والكتب بحالة جيدة جدا باستثناء اثنين.
كل هذه الثروة ب 36 جنيه وبدون فصال. حيّا الله شارع النبى دنيال.




محمود يوسف
بتاريخ النهاردة

المراجع :
أنا وجدى والناس اللى فى الشارع .
مقال فى جريدة الشرق الأوسط بتاريخ الاحـد 18 محـرم 1428 هـ 4 فبراير 2007 العدد 10295 .
مقال الدستور 19 1 2010 عن قرار غلق شارع النبى دنيال .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق