باختصار مواضيع المدونة شوية هبل، بس هبل لابد منه فى البداية، المواضيع لا تعبر عن إنسانى الآن، لذا فأنا أتراجع عنها، ولا أتبرأ منها. فلابد من خطيئة حتى يكون الإنسان فلتكن هذه خطيئتى إذن .
الغُرزة
ما أحلى الفلسفة بين السحاب الشيطانى حيث تتكسر قيود الخوف ويتعرى العقل من المبادئ ! تطير العقول وتنسكب الأفكار فوق الأوراق لتضل طريقها نحو مدونتى الغبراء .
الثلاثاء، 2 أغسطس 2011
الأحد، 10 أبريل 2011
وَلِيدَةُ أُنْثَى التَّلَاقِى
خلفية شمسية سلمية البدء:
فخذ علوىٌَ مقدس مجهول الهوية، وآخر سفلى يملؤه العَطَبُ
عند رحم الأنثى الكونية يلتقيان
ومن نقطة وهمية فى غياهب الرحم انبثقت
ملتهبة
ببراءة الميلاد تتكشف مجاهيل التقدس العلويّ
وبعفوية التكوين ينجلى العطب السفلى
المخلوقة الأرضوسماوية فى بطولة مشتركة مع الشمس:
بين معاناة الحزن الأرضية ونشوة الفرح السماوية
فى لحظة على البعد الزمنى المُلغّم
تفجر الحلم عنها
معقدة البساطة تولدت
بين ضحكة تجهش بالبكاء ودمعة تتبسم -متقلبة
غير مقننة لا تقبل الوصف
وأنا:
هائم فى العدم أنتظر لحظة السماح بالتكوين
عداء شمسى بنيةٍ حسنة:
القذف بدأ عند الوضع العمودى
وابل من الأشعة انطلقت
صور صرعى تساقطت
ظلال تلاشت
الحقيقة وحدها صمدت وصارت أقوى
والبطلة الأرضوسماوية :
تساقطت بداخلها كل الصور الأرضية المزيفة، تلاشت الظلال
بقيت الحقيقة السماوية وحدها أقوى
انبثاق مأساوى يغير المسار السلمى :
حينها كنت فى رحم نجمة تنتفض
تدليت معلقا بضوء فسفورى يحيطنى غشاء من الضوء الأخضر
أتعثر فى خيوط الضوء
تلتف حول عنقى تخنقنى
والنجمة ...
مكبلة
لا تملك غير دموعها طويلة الأمد
لقاء غير مشروع لابد منه:
متكئة على السديم رأتنى،
فقامت تزيح عنى الغشاء الأخضر
غسّلتنى بعصير من الشمس اختطفته من عينها
عصير الشمس موجع
ابكانى
فاحتضنتنى
غبت
فركلنى الجوع من بين أحضانها
بكيت من جديد
فأعادتنى مبتسمة ابتسامة أُمٍ عرفت مراد وليدها
أخرجت قمرها الغضَّ لترضعنى
فأخذته ونمت .. وكانت المرة الاولى التى أنام فيها على صدر قمر
غيرة وانتقام ونهاية حلم لا ينتهى:
كان حلمًا ارتكبناه على مرأى ومسمع من الشمس الغيورة
كان انتهاكًا لقانون الضوء والغابة
توقعنا انتقاما لكن ...
غبية هى الشمس فى انتقامها، أو عاجزة لا تملك حق التمرد
أكملت رحلتها من التعامد إلى الغروب، تقذفنا بأنصال من الأشعة
نتكشف
ما أحلى الحقيقة حين تتكشف
مضت بسرعتها المعهودة وددنا لو أطالت لنحظى بمزيد من نشوة المعاناة
ضحكنا عليها وهى تفر من الخزى
بنينا قصورا على السديم
وفرشنا سريرا على القمر .. تعانقنا فولدنا شمسًا جديدة تداعب الحقيقة ولا تغار
محمود يوسف
9/4/2011
يوم المولد المؤجل والحلم المباد والقلم المذهب الخفى
الثلاثاء، 29 مارس 2011
أصداء مرايا
عن عشيقتى العجوز/مصر
أزاحت ذراعه من على خصرها، وقامت تجمع قطع ثيابها التى مزّقها برغبته المقتحمة، اطمأنت حين وجدت عباءتها السوداء اللامعة لم يطلها التمزيق، توجهت إلى المرآة تتأمل جسدها العارى، بدى لها مختلفًا عما اعتادت عليه، ربما لأنها مرتها الأولى التى تراه فيها بعد ممارسة حقيقية للحب، حاولت إبعاد هذا الخاطر عن فكرها لأنه يذكرها بممارساتها الغبراء مع زوجها العجوز، وأرجعت السبب للمرآة الغريبة عنها.
امتلأت بالفخر فمازال جسدها-رغم ماخلّفته عليه السنون- يحمل بريقه الذهبى، ملتهبًا حارقًا لكل من حاول الإقتراب وها هو دليل بين يديها ممزقٌ ودليل آخر مُلقى على السرير منتشيًا بلحظة الحب التى قضاها معها.
ازدادت فخرًا وتيهًا حين قام الشاب من خلفها يداعب خصلات شعرها المصبوغة باللون البنى اللامع ، يتنقل برفق بين شفتيها وعنقها لاثمًا، مشعرًا إياها برقتها وحرصه على ألا تجرحها القبلات.
خجلت من هيئتها فى المرآة، فأبعدته برفق لترتدى قطعها الممزقة وعباءتها السوداء اللامعة، أغلقتها إلا من فتحة تبرز ساقيها حين تخطو، لم تعجب الشاب تلك الفتحة فقال مازحًا:
-وبالنسبة للرجلين اللى تحت دول عرض للبيع؟
- الرجلين دول اللى عجبوك وخلوك تجبنى هنا أنام معاك.
أحس الشاب بالمهانة فهو حين نطق جملته لم يكن يعنى بها شيئا
- أنا لو مكنتش بحبك مكنتش جبتك هنا، بعد لما كنتى زى الشيطانة وأنت بترمى لجوزك هدومه فى الشارع ..
- ما أصله مكنش يعرف الرجولة كان يروح يعيش حياته ويسبنى أقف فى طابور العيش ينهش فىّ اللى يسوى واللى ميسواش.
- زى ما يكون ميهمنيش أنا عشان بحبك نسيت الصورة ديه ومفتكرتش غير صورتك أول مرة شوفتك وأنتِ بتضحكى لما خبط فيكى والعيش وقع من أديا وسرحت ف عنيكى وبدل ما أمسك رغيف العيش من على الأرض مسكت إيداكى.
ضمته إلى صدرها معتذرة، وهمت بالرحيل، فجذبها من يدها طالبا منها أن تبقى قليلا.
سألته عن عمره فأجابها على مشارف التاسعة عشر أو الثامنة عشر لا أتذكر تحديدًا، ضحكت ضحكة ملوثة بصور المرايا القذرة
- تعرف أنى متجوزة من زمان قوى يعنى كان زمانى مخلفة أدك دلوقتى
لم تعجبه الجملة وربما جرحته لكنه كره تحويل المشهد إلى تراجيديا فالحياة فيها ما يكفيها من مأساويات.
- أنتِ معندكيش عيال؟
- هوّ أنا لو كنت خلفت كنت أنت هتعرف تبقى معايا دلوقتى.. عشان حاجة تتولد لازم حاجات تموت وأنا مش مستعدة أضحى.
تخلل الصمتُ المشهدَ، نظرت إليه نظرة حارة ذات مغزى سألها من أجل طرد الصمت
- أنتِ عندك كام سنة؟
- تدينى كام؟
- سبينى أعاين كده ، واحد ، اتنين، لما أوصل وقّفينى.
وأخذ يقبلها برقته المعهودة من أعلى جبينها إلى أخمص قدميها، ومع كل قبلة يزيد رقما، حتى جاوز المائة ولم توقفه، إلا أنها انتفضت معلنة عن استسلامها وانفجار براكينها، مسلمة له الراية لكى يلقى بذوره، وانتفض هو الآخر ممزقًا العباءة السوداء اللامعة قاذفا بها على المرايا لتصمت وتتكسر هى الأخرى بعد أن تكسرت مرايا التقاليد القذرة.
"هى لا تقبل أبدا إلا فى الأعماق
ستتوه بحثا عن أعماقها
ستصفعك برفضها
فهل ستستمر فى البحث فيها
أم سترحل لتلقى بذورك فى أرض سواها"
أزاحت ذراعه من على خصرها، وقامت تجمع قطع ثيابها التى مزّقها برغبته المقتحمة، اطمأنت حين وجدت عباءتها السوداء اللامعة لم يطلها التمزيق، توجهت إلى المرآة تتأمل جسدها العارى، بدى لها مختلفًا عما اعتادت عليه، ربما لأنها مرتها الأولى التى تراه فيها بعد ممارسة حقيقية للحب، حاولت إبعاد هذا الخاطر عن فكرها لأنه يذكرها بممارساتها الغبراء مع زوجها العجوز، وأرجعت السبب للمرآة الغريبة عنها.
امتلأت بالفخر فمازال جسدها-رغم ماخلّفته عليه السنون- يحمل بريقه الذهبى، ملتهبًا حارقًا لكل من حاول الإقتراب وها هو دليل بين يديها ممزقٌ ودليل آخر مُلقى على السرير منتشيًا بلحظة الحب التى قضاها معها.
"أكذوبة بمذاق العسل .. لا تأكلها .. ستتخم "
ازدادت فخرًا وتيهًا حين قام الشاب من خلفها يداعب خصلات شعرها المصبوغة باللون البنى اللامع ، يتنقل برفق بين شفتيها وعنقها لاثمًا، مشعرًا إياها برقتها وحرصه على ألا تجرحها القبلات.
"تحوّطنا المرايا لترى ما لا تقدر عيوننا على رؤيته مباشرةً، لتصرخ بصيحاتنا التى تمزقت مع أحبالنا الفضية"
خجلت من هيئتها فى المرآة، فأبعدته برفق لترتدى قطعها الممزقة وعباءتها السوداء اللامعة، أغلقتها إلا من فتحة تبرز ساقيها حين تخطو، لم تعجب الشاب تلك الفتحة فقال مازحًا:
-وبالنسبة للرجلين اللى تحت دول عرض للبيع؟
- الرجلين دول اللى عجبوك وخلوك تجبنى هنا أنام معاك.
"هى أسطورة لا تعرف البطولة
ستجعلك نجما فى فضائها السحيق
لا تفرح كثيرا فالفضاء ملىء بالنجوم"
"ستتهمك بالخيانة
كما اتهمت من سبقوك
فهل ستستمر؟
ستشبهك بمن انتهكوها
فهل ستقبل ؟"
- ما أصله مكنش يعرف الرجولة كان يروح يعيش حياته ويسبنى أقف فى طابور العيش ينهش فىّ اللى يسوى واللى ميسواش.
- زى ما يكون ميهمنيش أنا عشان بحبك نسيت الصورة ديه ومفتكرتش غير صورتك أول مرة شوفتك وأنتِ بتضحكى لما خبط فيكى والعيش وقع من أديا وسرحت ف عنيكى وبدل ما أمسك رغيف العيش من على الأرض مسكت إيداكى.
ضمته إلى صدرها معتذرة، وهمت بالرحيل، فجذبها من يدها طالبا منها أن تبقى قليلا.
" التقاليد كالمرايا القذرة تعطى صورا وهمية، تلوث الحقائق، وتحرمنا من رؤية حلم التحرر"
سألته عن عمره فأجابها على مشارف التاسعة عشر أو الثامنة عشر لا أتذكر تحديدًا، ضحكت ضحكة ملوثة بصور المرايا القذرة
- تعرف أنى متجوزة من زمان قوى يعنى كان زمانى مخلفة أدك دلوقتى
لم تعجبه الجملة وربما جرحته لكنه كره تحويل المشهد إلى تراجيديا فالحياة فيها ما يكفيها من مأساويات.
"تخدعك لا تصدقها
اكشف عن رحمها
ستجد أطفال وشيوخ
مطاردين
يبحثون عن الحقيقة
ومن يجد يرحل
إلى امرأة طليقة
من غير رحم"
- أنتِ معندكيش عيال؟
- هوّ أنا لو كنت خلفت كنت أنت هتعرف تبقى معايا دلوقتى.. عشان حاجة تتولد لازم حاجات تموت وأنا مش مستعدة أضحى.
"ما زالت تخدعك
ستستقطبك
ستتركك تلقى فى أرضها بذورك
لا تظنها ستتركك حرا
ستقبض على جذورك
ستلقيك فى غياهب رحمها مع المطاردين"
تخلل الصمتُ المشهدَ، نظرت إليه نظرة حارة ذات مغزى سألها من أجل طرد الصمت
- أنتِ عندك كام سنة؟
- تدينى كام؟
- سبينى أعاين كده ، واحد ، اتنين، لما أوصل وقّفينى.
وأخذ يقبلها برقته المعهودة من أعلى جبينها إلى أخمص قدميها، ومع كل قبلة يزيد رقما، حتى جاوز المائة ولم توقفه، إلا أنها انتفضت معلنة عن استسلامها وانفجار براكينها، مسلمة له الراية لكى يلقى بذوره، وانتفض هو الآخر ممزقًا العباءة السوداء اللامعة قاذفا بها على المرايا لتصمت وتتكسر هى الأخرى بعد أن تكسرت مرايا التقاليد القذرة.
"تأوهات"
الخميس، 24 مارس 2011
مقتطفات
عجوز
بالأمس القريب كنت أستقبل عامى السابع عشر، اليوم أستقبل عامى الألف، بعد أن توغل الشيب فى غابات كانت بالأمس سوداء، واحتلت عقلى أفكارٌ شائخة، قتلت أحلامًا صبيانية، قذفت حقولا كانت بالأمس خضراء سفكت دماءَ قمرٍ كنتُ أنام على صدره فى ليال ظلماء. هل من عودة لعامى السابع عشر؟ هل سترحل تلك الأفكار المحتلة؟ هل ستخضر السماء؟ هل سيولد القمر من جديد؟ هل سأنتظر ألفَ عامًا آخرين حتى أرى؟ لن أنتظر
يأس
قال لي: كن شمعة تحترق لتنير للآخرين
فقلت له: لا فائدة فالقوم عميان
كلام
كسّر كل الأقلام
قطّع كل الورق
لو فاكر هتهرب م الكلام
طب وقلبك اللى بيتحرق ؟
وعقلك المطعون بحرف كلمة
...مفعوصة
محبوسة
منحوسة؟
اطلق كلامك حتى لو هيموت ويموّتك
لو كل أُم خافت من لحظة ولادة
ولا خافت على وليدها من قسوة الدنيا
كان زمنا بنقرا الفاتحة على شىء اسمه الحياة ..
انتحار عاقل
قالى اقف فى وسط ميدان
أو أدام سفارة لو طمعان
ومتكلمش ولا تصرخ ولا تنادى
وأدى جركن جاز
وعارف طبعا هتعمل ايه !
...بس أوعى يضحكوا عليك
ويحرموك م الموت زى ما قبله حرموك من الحياة
وساعتها هيتولد البطل
اللى قبله كانوا قتلينه فيك
وهيقولوا ويعيدوا ده كان وكان وكان
ويمكن حتى على اسمك يسموا ميدان
أو يعلقوا صورتك على باب سفارة
أصل الحكاية واضحة ومش محتاجة شطارة
فى بلدنا ديه أما تكون
قذر ويصقفولك
أو ضحية ويعيطولك
دماء لازمة
لقد جنى العالم ما يكفيه من الحب .. أظن أن الوقت قد حان لتقديم الدماء الكافية كضريبة على ذلك الحب..
لغة جديدة
إن ما يحدث فى غزة من عدوان إسرائيلى لدليل قاطع على أن أصواتنا وصرخاتنا المدوية من أجل الحرية لم تخف اسرائيل .. أظن أن علينا أن نتكلم بلغة جديدة .. وحبذا لو استبعدنا اللسان من أداء هذه المهمة.
*مجموعة من المقتطفات كتبتها على الفيس بوك
الثلاثاء، 8 مارس 2011
صور على الطريق
يأسرنى منظر تلك الأشعة المتمردة وهى تدفع عن جسدها أيدى الغيوم البيضاء لتسقط وتداعب وجه البحر، فيدفعها على عينى فأراه وقد جعلته كماسة رقراقة تزبن صدر المدينة. أراها حين أخرج من المكتبة وأسير على الشاطىء كعادتى، فأتعثر فى خيط حكاية، أعمل على تجميع بقية أطرافها، فتداخل وتتعقد، ثم تهرب فى حنايا قصة قرأتها أو عشتها، فيغلبنى اليأس من الحكايات، فأقع على حرف قصيدة، بلون البحر أخط حدودها، إلا أن لحنا دمويا -رغم صفائها- يطاردها فيتخللها فتتمزق فأمقتها وألقيها فى البحر، فهل سيحملها إلى البر الآخر أم سيعيدها إلى صدر المدينة ؟ لا يهم يكفى أنه سيحتضنها كما يحتضن المراكب فى قلبه الماسى المائع.
أتنقل بين صورٍ غير عابىء بالوقت الذى يفر خلف السيارات الفارهة فى استباقها نحو المجهول. مرهقٌ، لو كنت كطائر النورس هذا لتركت للريح جناحى فيحملنى حتى يكل، ثم يتركنى لأفترش البحر واستريح.
على صخرة أجد شابة وقفت متمايلة يأخذ خصرها إنحناءة شعلة نارية تطوقه ذراعيها فتزيده إشتعالا وإشعالا يأخذ الريح شعرها كما يأخذ طائر النورس، يتطاير فيتسرب منه عطرا فجا يشوش على رائحة البحر. يقف أمامها شاب من نظراته يبدو حبيبها ومن تصرفاته يبدو غبيا يلتقط لها صورة من أمامها مباشرة. لو انخفض بعدسة الكاميرا لأسفل قليلا وجعل الشمس خلف حبيبته، لو تراجع وجعل الخلفية موضع إندماج السماء بالأرض لحملت الصورة معانٍ تستحقها حبيبته. حملها من خصرها الملتهب لينزلها، فارتمت على صدره، فظهرت القلعة من الخلف وكأنها تحت قدميها. ياله من مشهد! ماذا لو التقطه ؟! تفكيرى فى هذا السؤال أضاع منى هذه الفرصة، فأكملت طريقى.
-ورد يا بيه !
قالتها وهى تعبث بوردة حمراء على خدى، لم تكن جميلة إطلاقا، لكن فى عينها صراخ مدوى لرغبة مسمومة. أجبتها شاكرا، لا أريد؛ فاستبدلت الوردة بإصبعها، لن استلسلم لن أكون صريع رغبة مسمومة، نعم تتملكنى رغبة ملحة لكن ليست لهذه المرأة الضالة. هل أصفعها لتفيق من سكر تلك الرغبة؟ هل أهرب منها؟ لن أصفعها، يكفيها ما تلقته من صفعات وركلات الحياه، ولن أهرب، فإن هربت أنا فمن لها إذا ؟! ذلك الأعمى الذى سيصب سُمه على رغبتها ؟؟ أم هارب آخر ؟؟
- هاخد وردة لكن اسمحيلى أمشى دلوقتى .. لو بتقفى هنا على طول هعدى عليكِ.
- أكل العيش يحب الخفيه يا بيه لو وقفنا هنا الورد هيدبلو .
-طب خدى الفلوس ديه وبلاش شغل النهاردة
- شكلك فهمتنا غلط يا محترم .. أحنا مش بنشحتوا .. سلام يابيه ..
- استنى بس ..
- ورد .. ورد .. احمر ياورد ..
وغاب صوتها وسط هدير الأمواج ...
ولم أكد أدير وجهى عن بائعة الورد حتى تلقفتنى بائعة المناديل. لم تتجاوز الخامسة على يسرها أخوها يعضعض علبة مناديل وفى يمناها علبة أخرى.
- اشترى منى والنبى
هيئتها مقلقة، تقترب تنزل أخاها على الأرض فيمر من بين قدمىّ ويعبث بهما، وهى تتشبث بأطراف معطفى تتمسح فيه كقطة .. أجزم أنها لا تريد مالا حتى لو طلبته بلسانها. حاجتها أكبر من المال، فهل كانت ضحية رغبة كرغبة بائعة الورد؟ أم ضحية غباء والدين غير مؤهلين لحمل عواقب حبهما؟ ومن المسئول عن هذا الغباء؟ إن لم أكن أنا أحد المسئولين فلا أحد إذا مسئول.
لكننى فعلا لا بد أن أمضى فى طريقى فأنا على موعد من أجله خرجت من المكتبة، أبعدت الطفلة فى رفق وأعطيتها ثمن المناديل وتركتهم لها. وذهبت مسرعا. لكن حتى إسراعى لن يوقفنى عن تأمل تلك الصور الملقاة على الطريق ولن يمنعنى من تأمل جمالها وقبحها.
أصحاب عاهات ملقون على الطريق يروجون لسعاتهم، يشترون الرأفة بدعوة مهرطقة. أصحاب رغبات مسمومة يسرقون من اللذة ما لا يحق لهم.
تتستر تحت نقاب فهل سيرحمها من العيون المحتقرة لها؟ هل سيوقف اللعنات التى تنزل على رأسها من أفواههم النجسة تلعن النقاب ومن يرتديه بكافة أنواعهم ؟ يجلس بجانبها غير عابىء لا بنظرات ولا بها، يتعامل معها كجسد، قطعة لحم فقط.
يمر شيخان ينفران من المنظر، ينهرانه، فيسخر منهما ويستمر فى إنتهاكه لقطعة اللحم التى بجواره، يغضبان فيضربانه. تصرخ فيحمل حجرا يقذفه تجاههما، يتفادانه، يذهب أحدهما فيطوقه ويستعد الآخر لصفعه، تعلو صرخاتها، يحتشد الناس، ماذا لو كان فى وسط المحتشدين أخٌ أو قريب أو حتى جار لها ؟!
تأخرت، جريت، وصلت، ها هى حبيبتى تنتظر، تحلق فى طائر النورس البعيد، كعادتها جميلة، لكن لا لهذا أحببتها، فأنا أحبها لأسباب غير موجودة ..
- بخ ! أتأخرت عليكِ ؟!
- خمس دقايق وكنت همشى.
- طب يلا نروّح عشان تعبان.
- نعم بقى أنا أستناك كل ده وأنت تتسكع فى الشوارع وفى الآخر تقولى تعبان ونروّح ؟! اتفضل روّح أنا مش مروّحة ..
ضايقنى إنفعالها، لكنى استحسنت الأمر، سأستغل الموقف وأذهب لمطعم الجمهورية. هى لا تحبه لأسباب يجتمع عليها المغفلون وهى أنه ليس نظيفًا .. فيا أيها الحمقى يا من لا يحبون الصدق هل تعلمون ما يجرى خلف الستائر فى المطاعم الفارهة. هذه ذقنى لو تعرفون فمطابخهم بها أسرار تتساوى خطورة مع الأسرار العسكرية.
أذوب مع الصلصة السارحة فى صوابع المعكرونة البشاميل مع قطع الكبدة والسدق، لا تظنه طعاما عاديا، فهو ليس كذلك. أفلا يقولون أن الأكل نفس ؟ فماذا لو كان الأكل تاريخ .. يبدو أن المذاق سيكون مختلفا.
أنظر إلى صورة مؤسس الجمهورية خلف الكاشير، أى رجل هذا ! أى ملامح هذه ؟! تجاعيد وجهه ولونه يذكرانى بتربة أرضنا السمراء، عمّته وشاربه يحملان معانٍ بعيدة، نظرته جادة لكن تعتريها نفحة طيبة لا تخفى، الشال على كتفه كالنيل على صدر مصر، ليس هذا فقط ما يجعل مذاق الطعام مميزا، فتدافع الناس ورائحتهم وأصواتهم المزعجة تعطى مذاقا فريدا
- 2 كبدة و 3 سدق .. واحد فول و 2 فلافل .. 2 مكرونة .. هنا ولا برة .. ألفهالك ! .. عندك حواوشى .. طب هات 2 كلاوى .. اتوصى .. مبتبعوش حلويات ..
تشبعت من مذاق الحياة .. هل من أمنية أخرى أطلبها بعد هذه الوجبة الملوكى ؟ لا تسخروا .. نعم ملوكى بل وأعظم .. فأين ذلك الملك الذى يأكل طعاما بمذاق الحياة؟! إنه يكتب إليكم بعد أن خرج من الجمهورية متوجها لشارع السبع بنات، منتشيا من رائحة الخمر المنسكب على جدران الحياة.
- هانوفيل يا اسطى
يستوقف مواصلة تحمله إلى بيته الآيل للسقوط، يجيبه سائق الميكروباص
- بيطاش
- بيطاش بيطاش هو حد واخد منها حاجة .
يهم بالصعود، تتعلق بيده يدٌ رقيقة تجذبه، فينزل، ينظر خلفه فيراها .. هى حبيبته، يفتح ذراعيه ليعانقها، فتدفعه فى صدره برفق وتضحك
- يلا نركب عشان نروّح انت مش كنت تعبان ؟
- لو تعبانة اتفضلى روّحى أنا مش مروّح. تحبى تروحى على فين باريس ولا لندن ولا نيويورك ولا فينا؟
- أنا مكانى هنا، واندفعت ملقية برأسها فوق كتفه، التصقا، فهل يصبحان قلبًا واحدًا، حلمًا واحدًا، ألمًا واحدًا.
إحم أصبحا معًا فضيحة واحدة
- اللى أداك يدينا يا سيدى .. يا عم ما احنا تعبانين زيك .. أصل لو أهلك ربوكى مكنتيش تعملى كده .. هى ديه الثورة اللى علمتكم قلة الأدب .. أنت معندكش بنات تخاف يحصل فيهم كده .. هى البلد ولعت من شويه .... إلخ
- أنا بقول نروح أحسن ؟
- أحسن برضه ..
محمود يوسف
7/3/201
أتنقل بين صورٍ غير عابىء بالوقت الذى يفر خلف السيارات الفارهة فى استباقها نحو المجهول. مرهقٌ، لو كنت كطائر النورس هذا لتركت للريح جناحى فيحملنى حتى يكل، ثم يتركنى لأفترش البحر واستريح.
على صخرة أجد شابة وقفت متمايلة يأخذ خصرها إنحناءة شعلة نارية تطوقه ذراعيها فتزيده إشتعالا وإشعالا يأخذ الريح شعرها كما يأخذ طائر النورس، يتطاير فيتسرب منه عطرا فجا يشوش على رائحة البحر. يقف أمامها شاب من نظراته يبدو حبيبها ومن تصرفاته يبدو غبيا يلتقط لها صورة من أمامها مباشرة. لو انخفض بعدسة الكاميرا لأسفل قليلا وجعل الشمس خلف حبيبته، لو تراجع وجعل الخلفية موضع إندماج السماء بالأرض لحملت الصورة معانٍ تستحقها حبيبته. حملها من خصرها الملتهب لينزلها، فارتمت على صدره، فظهرت القلعة من الخلف وكأنها تحت قدميها. ياله من مشهد! ماذا لو التقطه ؟! تفكيرى فى هذا السؤال أضاع منى هذه الفرصة، فأكملت طريقى.
-ورد يا بيه !
قالتها وهى تعبث بوردة حمراء على خدى، لم تكن جميلة إطلاقا، لكن فى عينها صراخ مدوى لرغبة مسمومة. أجبتها شاكرا، لا أريد؛ فاستبدلت الوردة بإصبعها، لن استلسلم لن أكون صريع رغبة مسمومة، نعم تتملكنى رغبة ملحة لكن ليست لهذه المرأة الضالة. هل أصفعها لتفيق من سكر تلك الرغبة؟ هل أهرب منها؟ لن أصفعها، يكفيها ما تلقته من صفعات وركلات الحياه، ولن أهرب، فإن هربت أنا فمن لها إذا ؟! ذلك الأعمى الذى سيصب سُمه على رغبتها ؟؟ أم هارب آخر ؟؟
- هاخد وردة لكن اسمحيلى أمشى دلوقتى .. لو بتقفى هنا على طول هعدى عليكِ.
- أكل العيش يحب الخفيه يا بيه لو وقفنا هنا الورد هيدبلو .
-طب خدى الفلوس ديه وبلاش شغل النهاردة
- شكلك فهمتنا غلط يا محترم .. أحنا مش بنشحتوا .. سلام يابيه ..
- استنى بس ..
- ورد .. ورد .. احمر ياورد ..
وغاب صوتها وسط هدير الأمواج ...
ولم أكد أدير وجهى عن بائعة الورد حتى تلقفتنى بائعة المناديل. لم تتجاوز الخامسة على يسرها أخوها يعضعض علبة مناديل وفى يمناها علبة أخرى.
- اشترى منى والنبى
هيئتها مقلقة، تقترب تنزل أخاها على الأرض فيمر من بين قدمىّ ويعبث بهما، وهى تتشبث بأطراف معطفى تتمسح فيه كقطة .. أجزم أنها لا تريد مالا حتى لو طلبته بلسانها. حاجتها أكبر من المال، فهل كانت ضحية رغبة كرغبة بائعة الورد؟ أم ضحية غباء والدين غير مؤهلين لحمل عواقب حبهما؟ ومن المسئول عن هذا الغباء؟ إن لم أكن أنا أحد المسئولين فلا أحد إذا مسئول.
لكننى فعلا لا بد أن أمضى فى طريقى فأنا على موعد من أجله خرجت من المكتبة، أبعدت الطفلة فى رفق وأعطيتها ثمن المناديل وتركتهم لها. وذهبت مسرعا. لكن حتى إسراعى لن يوقفنى عن تأمل تلك الصور الملقاة على الطريق ولن يمنعنى من تأمل جمالها وقبحها.
أصحاب عاهات ملقون على الطريق يروجون لسعاتهم، يشترون الرأفة بدعوة مهرطقة. أصحاب رغبات مسمومة يسرقون من اللذة ما لا يحق لهم.
تتستر تحت نقاب فهل سيرحمها من العيون المحتقرة لها؟ هل سيوقف اللعنات التى تنزل على رأسها من أفواههم النجسة تلعن النقاب ومن يرتديه بكافة أنواعهم ؟ يجلس بجانبها غير عابىء لا بنظرات ولا بها، يتعامل معها كجسد، قطعة لحم فقط.
يمر شيخان ينفران من المنظر، ينهرانه، فيسخر منهما ويستمر فى إنتهاكه لقطعة اللحم التى بجواره، يغضبان فيضربانه. تصرخ فيحمل حجرا يقذفه تجاههما، يتفادانه، يذهب أحدهما فيطوقه ويستعد الآخر لصفعه، تعلو صرخاتها، يحتشد الناس، ماذا لو كان فى وسط المحتشدين أخٌ أو قريب أو حتى جار لها ؟!
تأخرت، جريت، وصلت، ها هى حبيبتى تنتظر، تحلق فى طائر النورس البعيد، كعادتها جميلة، لكن لا لهذا أحببتها، فأنا أحبها لأسباب غير موجودة ..
- بخ ! أتأخرت عليكِ ؟!
- خمس دقايق وكنت همشى.
- طب يلا نروّح عشان تعبان.
- نعم بقى أنا أستناك كل ده وأنت تتسكع فى الشوارع وفى الآخر تقولى تعبان ونروّح ؟! اتفضل روّح أنا مش مروّحة ..
ضايقنى إنفعالها، لكنى استحسنت الأمر، سأستغل الموقف وأذهب لمطعم الجمهورية. هى لا تحبه لأسباب يجتمع عليها المغفلون وهى أنه ليس نظيفًا .. فيا أيها الحمقى يا من لا يحبون الصدق هل تعلمون ما يجرى خلف الستائر فى المطاعم الفارهة. هذه ذقنى لو تعرفون فمطابخهم بها أسرار تتساوى خطورة مع الأسرار العسكرية.
أذوب مع الصلصة السارحة فى صوابع المعكرونة البشاميل مع قطع الكبدة والسدق، لا تظنه طعاما عاديا، فهو ليس كذلك. أفلا يقولون أن الأكل نفس ؟ فماذا لو كان الأكل تاريخ .. يبدو أن المذاق سيكون مختلفا.
أنظر إلى صورة مؤسس الجمهورية خلف الكاشير، أى رجل هذا ! أى ملامح هذه ؟! تجاعيد وجهه ولونه يذكرانى بتربة أرضنا السمراء، عمّته وشاربه يحملان معانٍ بعيدة، نظرته جادة لكن تعتريها نفحة طيبة لا تخفى، الشال على كتفه كالنيل على صدر مصر، ليس هذا فقط ما يجعل مذاق الطعام مميزا، فتدافع الناس ورائحتهم وأصواتهم المزعجة تعطى مذاقا فريدا
- 2 كبدة و 3 سدق .. واحد فول و 2 فلافل .. 2 مكرونة .. هنا ولا برة .. ألفهالك ! .. عندك حواوشى .. طب هات 2 كلاوى .. اتوصى .. مبتبعوش حلويات ..
تشبعت من مذاق الحياة .. هل من أمنية أخرى أطلبها بعد هذه الوجبة الملوكى ؟ لا تسخروا .. نعم ملوكى بل وأعظم .. فأين ذلك الملك الذى يأكل طعاما بمذاق الحياة؟! إنه يكتب إليكم بعد أن خرج من الجمهورية متوجها لشارع السبع بنات، منتشيا من رائحة الخمر المنسكب على جدران الحياة.
- هانوفيل يا اسطى
يستوقف مواصلة تحمله إلى بيته الآيل للسقوط، يجيبه سائق الميكروباص
- بيطاش
- بيطاش بيطاش هو حد واخد منها حاجة .
يهم بالصعود، تتعلق بيده يدٌ رقيقة تجذبه، فينزل، ينظر خلفه فيراها .. هى حبيبته، يفتح ذراعيه ليعانقها، فتدفعه فى صدره برفق وتضحك
- يلا نركب عشان نروّح انت مش كنت تعبان ؟
- لو تعبانة اتفضلى روّحى أنا مش مروّح. تحبى تروحى على فين باريس ولا لندن ولا نيويورك ولا فينا؟
- أنا مكانى هنا، واندفعت ملقية برأسها فوق كتفه، التصقا، فهل يصبحان قلبًا واحدًا، حلمًا واحدًا، ألمًا واحدًا.
إحم أصبحا معًا فضيحة واحدة
- اللى أداك يدينا يا سيدى .. يا عم ما احنا تعبانين زيك .. أصل لو أهلك ربوكى مكنتيش تعملى كده .. هى ديه الثورة اللى علمتكم قلة الأدب .. أنت معندكش بنات تخاف يحصل فيهم كده .. هى البلد ولعت من شويه .... إلخ
- أنا بقول نروح أحسن ؟
- أحسن برضه ..
محمود يوسف
7/3/201
الأربعاء، 2 مارس 2011
النقد الأدبى: أصوله ومناهجه
النقد الأدبي: أصوله ومناهجه by سيد قطب
My rating: 4 of 5 stars
إنه لمن المحزن ألا يأخذ بحثٌ كهذا حقه من الإجلال والتعظيم وأن يُعدم كما أُعدم صاحبه؛ فأنا أراه قد طرق فى عالم الأدب طريقا مهجورًا، وما الهجر هذا بقصر فى الطريق ولكن القصر كان من إناس ذلك العصر الذين لا يطلبون من الفن إلا لذته الزائفة ناسين أن الفن وسيلة وليس غاية، وأن المتعة ما هى إلا سمة من سماته، فأراهم يتحولون إلى الشعر لما فيه من نغم وخلافه من جماليات، ولا أنقص من قدر الشعر فالشعر أرقى فنون الأدب لكنه ليس أهمها وأجدهم يلجئون إلى القصة لما فيها من حَبكٍ درامى وصراع وخلافه، تاركين من فنون الأدب ما هو أهم وأعظم. وأجد أن البحث من أهم المجالات - حاليا- التى تحتاج إلى الأدب لتضفى على مادة البحث لونًا من الجمال ينفك به الجمود المخيم على مادته العلمية، ويحتاج إليها الأدب ليرتقى بما تحتويه من أفكار. وبتلك الإمكانية التى يمتلكها الأدب فى التأثير فى النفس والفكر تعود الصورة لوضعيتها الصحيحة فالفن -بما فيه الأدب- وسيلة، ترتقى بنا ونرتقى بها، تحوى أفكارنا؛ فتحتويها نفوسنا.
لقد قوّم ذلك البحث نظرتى إلى الفن عمومًا والأدب خصوصًا؛ فهو يُعتبر بمثابة مرحلة إنتقالية فى حياة القارىء المبتدئ فى مجال الأدب، وبمثابة مقدمة فى مجال النقد. ولا أقصد بالنقد، ذلك النقد الإحترافى الذى يُدعى صاحبه ناقدًا، إنما النقد الواجب على كل قارىء حتى يُقال أنه قارىء، فالكتاب يتناول موضوع بدائى، فيعرض فى جزئه الأول لماهية العمل الأدبى فى جملة "التعبير عن تجربة شعورية فى صورة موحية" ثم يبسط تلك الجملة فى فصول يتناول فيها تعريف القيمة الموضوعية بجانبيها الشعوري والتعبيرى ثم ينتقل بترتيب أنيق للمواضيع إلى مناقشة تلك القيم فى كل فن من فنون الأدب عارضًا للوسيلة التى يتطلبها كل نوع حتى ينضج ويصل لغايته الأساسية التى يؤثر بها فى القراء.
ثم ينتقل بعد ذلك فيبدع فصلا بعنوان قواعد النقد الأدبى بين الفلسفة والعلم ويعتبر ذلك الفصل مقدمة لفصل مناهج النقد الأدبى الذى يليه، وقد تناول فيه بعض الأراء الفلسفية والعلمية التى تعرض للأدب بما فيها نظرة أفلاطون وأرسطو للفن عمومًا والشعر خصوصًا لكونه مادة الأدب فى ذلك العصر، ثم يتناول الربط بين الفنون بمختلف أشكالها حتى يصل إلى نتيجة أن معاملة الفنون لايمكن أن تكون واحدة يجمعها مصطلح "قواعد النقد الفنى" وإنما لكل فن خصائصه التى تميزه لذا فهو بحاجة لقواعد النقد الخاصة به.
حتى يصل إلى الفصل الذى من أجله كان البحث وهو "مناهج النقد الأدبى" فيعرض لأربع مناهج هى:
1- المنهج الفنى، وفى تناوله يعرض تعريفًا وتأصيلا تاريخيًا بالأمثلة المقتبسة من كتب العرب القديمة ثم يعرض لأمثلة من العصر الحديث.
2- المنهج التاريخى، وقد تناوله بنفس الطريق التى سلكها فى المنهج الفنى.
3- المنهج النفسى، كسابقيه، إلا أنه أضاف إليه نماذج من تحليلات فرويد وغيره من علماء النفس فى تحليلهم لبعض الأعمال الأدبية.
4- المنهج المتكامل، وهو المنهج الذى آثره فهو يجمع بين جميع المناهج .
ورغم كل ما يميز البحث من بساطة لغوية وتناسق وترتيب ورؤية موضوعية جعلته يضع بعض الأدباء أصحاب مذاهب تتنافى مع مذهبه الأخلاقى فى قمة الهرم الأدبى، إلا أن بعض المقاطع التى برزت فى البحث قد جعلت من تلك السمات سمات تقليدية
فها هو يعرض لأخطر مخاطر "المنهج التاريخى" التى يتغنى بها بعض كُتّاب العصر وكأنهم مكتشفونها
"ومن أخطر مخاطر " المنهج التاريخى" الإستقراء الناقص والأحكام الجازمة، والتعميم العلمى.
فالإستقراء الناقص يؤدى بنا دائما إلى خطأ فى الحكم. ومن الأستقراء الناقص الإعتماد على الحوادث البارزة والظواهر الفذة التى لا تمثل سير الحياة الطبيعى. فألمع الحوادث وأبرز الظواهر ليست أكثر دلالة من الحوادث العامة والظواهر الصغيرة. وما نراه نحن أكثر دلالة قد لا يكون كذلك فى ذاته، بل ربما انجذابنا الخاص للإعجاب به أو الزراية عليه هو علة ما نرى فيه من دلالة بارزة! والأسلم أن نجمع أقصى ما نستطيع الحصول عليه من الظواهر والدلائل: حادثة أو نصا أو مستندا .. وألا نصل أحكامنا إلا بعد الإنتهاء من جميع الأسانيد، فذلك أضمن وأكفل بالصواب." أليس هذا ما يتغنى به شخصٌ يُدعى يوسف زيدان ؟! ماعلينا ..
تعالى لنعرف بماذا يتصف العلماء، يذكر سيد قطب فى أمثلة على خطر الأستقراء الناقص فيقول فى أحداهم:
"اعتمدت أنا شخصيا فى إصدار حكم على شعور الشاعر العربى بالطبيعة فى كتاب "كتب وشخصيات" (مثال رقم 2 فى المنهج الفنى) على استقراء المشهور من الشعر العربى، فهو حكم قابل للتخطئة، وأنا الآن أحاول أن أعيد الدراسة لاستيعاب المشهور وغير المشهور من هذا الشعر، لوزن ذلك الحكم الذى أصدرته متعجلاً!" هل من سمة أجلّ من اعتراف الإنسان بخطئة؟! تلك السمة التى تناساها الكثير من الكُتاب، ظنًا منهم أن شهرتهم التى اكتسبوها جعلتهم إلاهيين بمنأى عن الخطأ.
وانظر إلى تلك النظرة التى نظرها سيد قطب للأوضاع فى مصر قبل ثورة 23 يوليو 52 :
"ونستطيع من دراسة الأدب فى مصر فى العصر الحديث أن نلمح أنها تجتاز فترة اضطراب وبحث عن اتجاه لم تستقر عليه الأفكار، حينما نرى فيه عدة اتجاهات إلى أقصى اليمين وإلى أقصى اليسار. بعضهم يفتش عن المثل فى أطواء تاريخنا القديم فى عصر النهضة الإسلامية، وبعضهم يتمجد بالفرعونية، وبعضهم يتجه إلى أوربا وأمريكا، وبعضهم يتجه إلى روسيا؛ كما أن بعضهم ينطوى على نفسه عازفًا عن المجتمع وما فيه .. هى حالة تموج واضطراب . قد تتمخض عن انقلاب وقد تتمخض عن استقرار " ألم يعقب ذلك قيام ثورة 23 يوليو 52 ؟! أوليست تلك هى حالتنا قبل قيام ثورة 25 يناير ؟!
وحتى لا أطيل فكل فقرة فى الكتاب تحتاج إلى نظر وتحليل، أذكر سمة أخيرة يفتقدها كثير من النقاد سارقو الأحلام، الرافضون لمبدأ التجديد، وهى سمة المرونة "فالمناهج بصفة عامة فى النقد تصلح وتفيد حين تتخذ منارات ومعالم، ولكنها تفسد وتضر إذا جعلت قيودًا وحدودًا. شأنها فى هذا شأن المدارس فى الأدب ذاته فكل قالب محدود هو قيد للأبداع، وقد يصنع القالب لنضبط به النماذج المصنوعة، لا تصب فيه النماذج وتصاغ"
هذا كان عرضا موجزا لكتاب النقد الأدبى أصوله ومناهجه لصاحبه الشهيد على يد الديكتاتورية الناصرية التى لم يرح ضحيتها سيد قطب فقط بل راحت معه أفكار ثورية وإبداعات كان سيبدعها هو وغيره لولا ضيق أفق وبهيمية القادة الذين حرّموا الرأى والفكر ما داما غير أرائهم وفكرهم.
محمود يوسف
1\3\2011
View all my reviews
My rating: 4 of 5 stars
إنه لمن المحزن ألا يأخذ بحثٌ كهذا حقه من الإجلال والتعظيم وأن يُعدم كما أُعدم صاحبه؛ فأنا أراه قد طرق فى عالم الأدب طريقا مهجورًا، وما الهجر هذا بقصر فى الطريق ولكن القصر كان من إناس ذلك العصر الذين لا يطلبون من الفن إلا لذته الزائفة ناسين أن الفن وسيلة وليس غاية، وأن المتعة ما هى إلا سمة من سماته، فأراهم يتحولون إلى الشعر لما فيه من نغم وخلافه من جماليات، ولا أنقص من قدر الشعر فالشعر أرقى فنون الأدب لكنه ليس أهمها وأجدهم يلجئون إلى القصة لما فيها من حَبكٍ درامى وصراع وخلافه، تاركين من فنون الأدب ما هو أهم وأعظم. وأجد أن البحث من أهم المجالات - حاليا- التى تحتاج إلى الأدب لتضفى على مادة البحث لونًا من الجمال ينفك به الجمود المخيم على مادته العلمية، ويحتاج إليها الأدب ليرتقى بما تحتويه من أفكار. وبتلك الإمكانية التى يمتلكها الأدب فى التأثير فى النفس والفكر تعود الصورة لوضعيتها الصحيحة فالفن -بما فيه الأدب- وسيلة، ترتقى بنا ونرتقى بها، تحوى أفكارنا؛ فتحتويها نفوسنا.
لقد قوّم ذلك البحث نظرتى إلى الفن عمومًا والأدب خصوصًا؛ فهو يُعتبر بمثابة مرحلة إنتقالية فى حياة القارىء المبتدئ فى مجال الأدب، وبمثابة مقدمة فى مجال النقد. ولا أقصد بالنقد، ذلك النقد الإحترافى الذى يُدعى صاحبه ناقدًا، إنما النقد الواجب على كل قارىء حتى يُقال أنه قارىء، فالكتاب يتناول موضوع بدائى، فيعرض فى جزئه الأول لماهية العمل الأدبى فى جملة "التعبير عن تجربة شعورية فى صورة موحية" ثم يبسط تلك الجملة فى فصول يتناول فيها تعريف القيمة الموضوعية بجانبيها الشعوري والتعبيرى ثم ينتقل بترتيب أنيق للمواضيع إلى مناقشة تلك القيم فى كل فن من فنون الأدب عارضًا للوسيلة التى يتطلبها كل نوع حتى ينضج ويصل لغايته الأساسية التى يؤثر بها فى القراء.
ثم ينتقل بعد ذلك فيبدع فصلا بعنوان قواعد النقد الأدبى بين الفلسفة والعلم ويعتبر ذلك الفصل مقدمة لفصل مناهج النقد الأدبى الذى يليه، وقد تناول فيه بعض الأراء الفلسفية والعلمية التى تعرض للأدب بما فيها نظرة أفلاطون وأرسطو للفن عمومًا والشعر خصوصًا لكونه مادة الأدب فى ذلك العصر، ثم يتناول الربط بين الفنون بمختلف أشكالها حتى يصل إلى نتيجة أن معاملة الفنون لايمكن أن تكون واحدة يجمعها مصطلح "قواعد النقد الفنى" وإنما لكل فن خصائصه التى تميزه لذا فهو بحاجة لقواعد النقد الخاصة به.
حتى يصل إلى الفصل الذى من أجله كان البحث وهو "مناهج النقد الأدبى" فيعرض لأربع مناهج هى:
1- المنهج الفنى، وفى تناوله يعرض تعريفًا وتأصيلا تاريخيًا بالأمثلة المقتبسة من كتب العرب القديمة ثم يعرض لأمثلة من العصر الحديث.
2- المنهج التاريخى، وقد تناوله بنفس الطريق التى سلكها فى المنهج الفنى.
3- المنهج النفسى، كسابقيه، إلا أنه أضاف إليه نماذج من تحليلات فرويد وغيره من علماء النفس فى تحليلهم لبعض الأعمال الأدبية.
4- المنهج المتكامل، وهو المنهج الذى آثره فهو يجمع بين جميع المناهج .
ورغم كل ما يميز البحث من بساطة لغوية وتناسق وترتيب ورؤية موضوعية جعلته يضع بعض الأدباء أصحاب مذاهب تتنافى مع مذهبه الأخلاقى فى قمة الهرم الأدبى، إلا أن بعض المقاطع التى برزت فى البحث قد جعلت من تلك السمات سمات تقليدية
فها هو يعرض لأخطر مخاطر "المنهج التاريخى" التى يتغنى بها بعض كُتّاب العصر وكأنهم مكتشفونها
"ومن أخطر مخاطر " المنهج التاريخى" الإستقراء الناقص والأحكام الجازمة، والتعميم العلمى.
فالإستقراء الناقص يؤدى بنا دائما إلى خطأ فى الحكم. ومن الأستقراء الناقص الإعتماد على الحوادث البارزة والظواهر الفذة التى لا تمثل سير الحياة الطبيعى. فألمع الحوادث وأبرز الظواهر ليست أكثر دلالة من الحوادث العامة والظواهر الصغيرة. وما نراه نحن أكثر دلالة قد لا يكون كذلك فى ذاته، بل ربما انجذابنا الخاص للإعجاب به أو الزراية عليه هو علة ما نرى فيه من دلالة بارزة! والأسلم أن نجمع أقصى ما نستطيع الحصول عليه من الظواهر والدلائل: حادثة أو نصا أو مستندا .. وألا نصل أحكامنا إلا بعد الإنتهاء من جميع الأسانيد، فذلك أضمن وأكفل بالصواب." أليس هذا ما يتغنى به شخصٌ يُدعى يوسف زيدان ؟! ماعلينا ..
تعالى لنعرف بماذا يتصف العلماء، يذكر سيد قطب فى أمثلة على خطر الأستقراء الناقص فيقول فى أحداهم:
"اعتمدت أنا شخصيا فى إصدار حكم على شعور الشاعر العربى بالطبيعة فى كتاب "كتب وشخصيات" (مثال رقم 2 فى المنهج الفنى) على استقراء المشهور من الشعر العربى، فهو حكم قابل للتخطئة، وأنا الآن أحاول أن أعيد الدراسة لاستيعاب المشهور وغير المشهور من هذا الشعر، لوزن ذلك الحكم الذى أصدرته متعجلاً!" هل من سمة أجلّ من اعتراف الإنسان بخطئة؟! تلك السمة التى تناساها الكثير من الكُتاب، ظنًا منهم أن شهرتهم التى اكتسبوها جعلتهم إلاهيين بمنأى عن الخطأ.
وانظر إلى تلك النظرة التى نظرها سيد قطب للأوضاع فى مصر قبل ثورة 23 يوليو 52 :
"ونستطيع من دراسة الأدب فى مصر فى العصر الحديث أن نلمح أنها تجتاز فترة اضطراب وبحث عن اتجاه لم تستقر عليه الأفكار، حينما نرى فيه عدة اتجاهات إلى أقصى اليمين وإلى أقصى اليسار. بعضهم يفتش عن المثل فى أطواء تاريخنا القديم فى عصر النهضة الإسلامية، وبعضهم يتمجد بالفرعونية، وبعضهم يتجه إلى أوربا وأمريكا، وبعضهم يتجه إلى روسيا؛ كما أن بعضهم ينطوى على نفسه عازفًا عن المجتمع وما فيه .. هى حالة تموج واضطراب . قد تتمخض عن انقلاب وقد تتمخض عن استقرار " ألم يعقب ذلك قيام ثورة 23 يوليو 52 ؟! أوليست تلك هى حالتنا قبل قيام ثورة 25 يناير ؟!
وحتى لا أطيل فكل فقرة فى الكتاب تحتاج إلى نظر وتحليل، أذكر سمة أخيرة يفتقدها كثير من النقاد سارقو الأحلام، الرافضون لمبدأ التجديد، وهى سمة المرونة "فالمناهج بصفة عامة فى النقد تصلح وتفيد حين تتخذ منارات ومعالم، ولكنها تفسد وتضر إذا جعلت قيودًا وحدودًا. شأنها فى هذا شأن المدارس فى الأدب ذاته فكل قالب محدود هو قيد للأبداع، وقد يصنع القالب لنضبط به النماذج المصنوعة، لا تصب فيه النماذج وتصاغ"
هذا كان عرضا موجزا لكتاب النقد الأدبى أصوله ومناهجه لصاحبه الشهيد على يد الديكتاتورية الناصرية التى لم يرح ضحيتها سيد قطب فقط بل راحت معه أفكار ثورية وإبداعات كان سيبدعها هو وغيره لولا ضيق أفق وبهيمية القادة الذين حرّموا الرأى والفكر ما داما غير أرائهم وفكرهم.
محمود يوسف
1\3\2011
View all my reviews
الأحد، 20 فبراير 2011
كوم زبالة
إن عدم إعجابى بشىء ما لا يعنى إطلاقًا رداءة ذلك الشىء، فقد يبدو جميلا لكنه لا يعجبنى. والسبب هو عجز ذلك الشىء عن كونه دنياويًا، يحمل بين طياته الجمالية قطرات من القبح، ويحوى بين الضحكات إنكسارات من الحزن وتُعزف فيه سيمفونية اللذة والألم.
وقد يعجب الكثيرون من إعجابى بأشياء يصفونها جهلا بالقذرة إلا أن تلك القذارة هى ثمنٌ لا بد من دفعه، حين تكون القيمة الجمالية للشىء أقيم من أن يكون هكذا مجرد جميل فعلى سبيل المثال يرى الناس فى أكوام الزبالة قمة القذارة، وأنا أرى أن ما القذارة إلا الثمن المقدم، يُدفع بديل عن الأموال، فما أن تدفعه، حتى يتراءى لك العالم الجمالى الذى غفلته لعدم قدرتك على تحمل الثمن، فإذا بصورة من الألوان العبثية المتداخلة المتناقضة الفوضوية، أى فنان يملك القدرة والحرفية على خلق تلك الفوضوى؟ وأى مصمم رقصات أو معارك قادر على إخراج حركات حشود الذباب بذلك النظام الفوضوى من كر وفر متفادية السقوط ضحية فى معركة بين كلب وقط أو قط وقط أو قط وفأر؟ وأين علماء الأجتماع والفلاسفة ليروا نموذج لطبقات المجتمع فهاهم السادة من الكلاب والقطط والفئران يتصارعون من أجل تقسيم التركة التى لم يكن لهم حق فيها من الأساس فإنما هى هبة من البشر، ورغم ذلك فهم يتصارعون، وتسقط ضحايا ليس لها ذنب من الحشرات المسكينة والبكتريا البريئة، وأين الأديب لينسج ملحمته، مجموعة من البكتريا بقيادة حشرة، تسببوا فى مصرع كلب، يجمع الأديب خيوط ملحمته يصعد بالحشرة إلى عنان السماء الحشرة تغنى يا أرض اتهدى ما عليك أدى، لكل متجبر نهاية لو كانت اكتفت بانتصارها على الكلب ورحلت لتعيش حياتها الطبيعية حشرة كما الحشرات لما لاقت ذلك المصير، فقد اشتدت رائحة الكلب الميت، فقرر أهل الحى حرق كوم الزبالة.. وانتهت الحشرة ..
وغيرها من الحكايات والصور متخبية فى كوم زبالة.
ومابين حكاية وحكاية ومابين صورة وصورة تتلم الدنيا فى كوم زبالة.
محمود يوسف
20\2\2011
مستوحاة من تراكم أكوام الزبالة فى الفترة الماضية .. محاولة لتغير المفهوم الجمالى .. فالجمال فى العين التى ترى لا المنظر المرئى ..
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)